responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 191
اتِّصَالُ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا يَرْجِعُ إِلَى مَا مَضَى مِنْ وَصْفِ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَمُنَاصِرِيهِمْ، وَانْتَقَلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى الِاسْتِعْدَادِ لِقِتَالِ الْمُنَاوِينَ لِلْإِسْلَامِ مِنْ قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا [النِّسَاء: 71] الْآيَةَ، وَتَخَلَّلَ فِيهِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ فِي تَرَبُّصِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ الدَّوَائِرَ وَمُخْتَلِفِ أَحْوَالِ الْقَبَائِلِ فِي عَلَائِقِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَاسْتَطْرَدَ لِذِكْرِ قَتْلِ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ، وَانْتَقَلَ إِلَى ذِكْرِ الْهِجْرَةِ، وَعَقَّبَ بِذِكْرِ صَلَاةِ السَّفَرِ وَصَلَاةِ الْخَوْفِ، عَادَ الْكَلَامُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَحْوَالِ أَهْلِ النِّفَاقِ.
وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا.
وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ هَاتِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ حَادِثَةٍ رَوَاهَا التِّرْمِذِيُّ حَاصِلُهَا:
أَنَّ إِخْوَةً ثَلَاثَةً يُقَالُ لَهُمْ: بِشْرٌ وَبَشِيرٌ وَمُبَشِّرٌ، أَبْنَاءُ أُبَيْرِقٍ، وَقِيلَ: أَبْنَاءُ طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ، وَقِيلَ: إِنَّمَا كَانَ بَشِيرٌ أَحَدُهُمْ يُكَنَّى أَبَا طُعْمَةَ، وَهُمْ مِنْ بَنِي ظَفَرٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ بَشِيرٌ شَرَّهُمْ، وَكَانَ مُنَافِقًا يَهْجُو الْمُسْلِمِينَ بِشِعْرٍ يُشِيعُهُ وَيَنْسُبُهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْإِخْوَةُ فِي فَاقَةٍ، وَكَانُوا جِيرَةً لِرِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَكَانَتْ عِيرٌ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنَ الشَّامِ بِدَرْمَكٍ- وَهُوَ دَقِيقُ الْحُوَّارَى أَيِ السَّمِيذُ- فَابْتَاعَ مِنْهَا رَفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ حِمْلًا مِنْ دَرْمَكٍ لِطَعَامِهِ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَأْكُلُونَ دَقِيقَ الشَّعِيرِ، فَإِذَا جَاءَ الدَّرْمَكُ ابْتَاعَ مِنْهُ سَيِّدُ الْمَنْزِلِ شَيْئًا لِطَعَامِهِ فَجَعَلَ الدَّرْمَكَ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ وَفِيهَا سِلَاحٌ، فَعَدَى بَنُو أُبَيْرِقٍ عَلَيْهِ فَنَقَبُوا مَشْرَبَتَهُ وَسَرَقُوا الدَّقِيقَ وَالسِّلَاحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رِفَاعَةُ وَوَجَدَ مَشْرَبَتَهُ قَدْ سُرِقَتْ أَخْبَرَ ابْنَ أَخِيهِ قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ بِذَلِكَ، فَجعل يتحسّس، فأنبىء بِأَنَّ بَنِي أُبَيْرِقٍ اسْتَوْقَدُوا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ نَارًا، وَلَعَلَّهُ عَلَى بَعْضِ طَعَامِ رِفَاعَةَ، فَلَمَّا افْتَضَحَ بَنُو أُبَيْرِقٍ طَرَحُوا الْمَسْرُوقَ فِي دَارِ أَبِي مُلَيْلٍ الْأَنْصَارِيِّ. وَقِيلَ: فِي دَارِ يَهُودِيٍّ اسْمُهُ زَيْدُ بْنُ السَّمِينِ، وَقِيلَ: لَبِيَدُ بْنُ سَهْلٍ، وَجَاءَ بَعْضُ بَنِي ظَفَرٍ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَكَوْا إِلَيْهِ أَنَّ رِفَاعَةَ وَابْنَ أَخِيهِ اتَّهَمَا بِالسَّرِقَةِ أَهْلَ بَيْتِ إِيمَانٍ وَصَلَاحٍ،
قَالَ قَتَادَةُ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ لِي «عَمَدْتَ إِلَى أَهْلِ بَيْتِ إِسْلَامٍ وَصَلَاحٍ فَرَمَيْتَهُمْ بِالسَّرِقَةِ عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ» . وَأَشَاعُوا فِي النَّاسِ أَنَّ الْمَسْرُوقَ فِي دَارِ أَبِي مُلَيْلٍ أَوْ دَارِ الْيَهُودِيِّ. فَمَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَأَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ عَلَى جَلِيَّةِ الْأَمْرِ، مُعْجِزَةً لَهُ، حَتَّى لَا يَطْمَعَ أَحَدٌ فِي أَنْ يُرَوِّجَ عَلَى الرَّسُولِ بَاطِلًا
. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي سَوْقِ هَذَا الْخَبَرِ. وَوَقَعَ فِي «كِتَابِ أَسْبَابِ النُّزُولِ»

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 191
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست