responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 187
فَإِنَّ تَبَوُّأَ الْإِيمَانِ الدُّخُولُ فِيهِ وَالِاتِّصَافُ بِهِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْكُفْرِ. وَجَاءَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ دُونَ أَنْ يَقُولَ: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا أَسْلِحَتَكُمْ، لِأَنَّ أَخْذَ السِّلَاحِ فِيهِ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ.
وَقَوْلُهُ: وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَخْ، وُدُّهُمْ هَذَا مَعْرُوفٌ إِذْ هُوَ شَأْنُ كُلِّ مُحَارِبٍ، فَلَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَعْرُوفُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ، إِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ وَدُّوا وُدًّا مُسْتَقْرَبًا عِنْدَهُمْ، لِظَنِّهِمْ أَنَّ اشْتِغَالَ الْمُسْلِمِينَ بِأُمُورِ دِينِهِمْ يُبَاعِدُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَصَالِحِ دُنْيَاهُمْ جَهْلًا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ لِحَقِيقَةِ الدِّينِ، فَطَمِعُوا أَنْ تُلْهِيَهُمُ الصَّلَاةُ عَنِ الِاسْتِعْدَادِ لِأَعْدَائِهِمْ، فَنَبَّهَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى ذَلِكَ كَيْلَا يَكُونُوا عِنْدَ ظَنِّ الْمُشْرِكِينَ، وَلِيُعَوِّدَهُمْ بِالْأَخْذِ بِالْحَزْمِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ، وَلِيُرِيَهُمْ أَنَّ صَلَاحَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا صِنْوَانٌ.
وَالْأَسْلِحَةُ جَمْعُ سِلَاحٍ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِآلَةِ الْحَرْبِ كُلِّهَا مِنَ الْحَدِيدِ، وَهِيَ السَّيْفُ وَالرُّمْحُ وَالنِّبْلُ وَالْحَرْبَةُ وَلَيْسَ الدِّرْعُ وَلَا الْخُوذَةُ وَلَا التُّرْسُ بِسِلَاحٍ. وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ.
وَالتَّذْكِيرُ أَفْصَحُ، وَلِذَلِكَ جَمَعُوهُ عَلَى أَسْلِحَةٍ وَهُوَ مِنْ زِنَاتِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ.
وَالْأَمْتِعَةُ جَمْعُ مَتَاعٍ وَهُوَ كُلُّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ عُرُوضٍ وَأَثَاثٍ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا لَهُ عَوْنٌ فِي الْحَرْبِ كَالسُّرُوجِ وَلَأْمَةِ الْحَرْبِ كَالدُّرُوعِ وَالْخُوذَاتِ. فَيَمِيلُونَ مُفَرَّعٌ عَنْ قَوْلِهِ:
لَوْ تَغْفُلُونَ إِلَخْ، وَهُوَ مَحَلُّ الْوُدِّ، أَيْ وَدُّوا غَفْلَتَكُمْ لِيَمِيلُوا عَلَيْكُمْ. وَالْمَيْلُ: الْعُدُولُ عَنِ الْوَسَطِ إِلَى الطَّرَفِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْعُدُولِ عَنْ شَيْءٍ كَانَ مَعَهُ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ، كَمَا هُنَا، أَيْ فَيَعْدِلُونَ عَنْ مُعَسْكَرِهِمْ إِلَى جَيْشِكُمْ. وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْمَيْلِ هُنَا الْكَرَّ وَالشَّدَّ، عُدِّيَ بِ (عَلَى) ، أَيْ فَيَشُدُّونَ عَلَيْكُمْ فِي حَالِ غَفْلَتِكُمْ.
وَانْتَصَبَ (مَيْلَةً) عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِبَيَانِ الْعَدَدِ، أَيْ شِدَّةً مُفْرَدَةً. وَاسْتُعْمِلَتْ صِيغَةُ الْمَرَّةِ هُنَا كِنَايَةً عَنِ الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ الشَّدِيدَ الْقَوِيَّ يَأْتِي بِالْغَرَضِ مِنْهُ سَرِيعًا دُونَ مُعَاوَدَةِ عِلَاجٍ، فَلَا يَتَكَرَّرُ الْفِعْلُ لِتَحْصِيلِ الْغَرَضِ، وَأَكَّدَ مَعْنَى الْمَرَّةِ الْمُسْتَفَادَ مِنْ صِيغَةِ فَعْلَةٍ بِقَوْلِهِ: واحِدَةً تَنْبِيهًا عَلَى قَصْدِ مَعْنَى الْكِنَايَةِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ أَنَّ الْمَصْدَرَ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ لِقَوْلِهِ: فَيَمِيلُونَ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 187
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست