responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 172
وَجِيءَ بِ (دَرَجَةً) بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ، وَلَيْسَ إِفْرَادُهَا لِلْوَحْدَةِ، لِأَنَّ دَرَجَةً هُنَا جِنْسٌ مَعْنَوِيٌّ لَا أَفْرَادَ لَهُ، وَلِذَلِكَ أُعِيدَ التَّعْبِيرُ عَنْهَا فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي جَاءَتْ بَعْدَهَا تَأْكِيدًا لَهَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ بِقَوْلِهِ: دَرَجاتٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْجَمْعَ أَقْوَى مِنَ الْمُفْرَدِ.
وَتَنْوِينُ دَرَجَةً لِلتَّعْظِيمِ. وَهُوَ يُسَاوِي مَفَادَ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ الْآتِي دَرَجاتٍ مِنْهُ.
وَانْتَصَبَ دَرَجَةً بِالنِّيَابَةِ عَنِ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْمُبَيِّنِ لِلنَّوْعِ فِي فِعْلِ فَضَّلَ إِذِ الدَّرَجَةُ هُنَا زِيَادَةٌ فِي مَعْنَى الْفَضْلِ، فَالتَّقْدِيرُ: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ فَضْلًا هُوَ دَرَجَةٌ، أَيْ دَرَجَةً فَضْلًا.
وَجُمْلَةُ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى مُعْتَرِضَةٌ. وَتَنْوِينُ «كُلًّا» تَنْوِينُ عِوَضٍ عَنْ مُضَافٍ إِلَيْهِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَكُلُّ الْمُجَاهِدِينَ وَالْقَاعِدِينَ.
وَعُطِفَ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً عَلَى جُمْلَةِ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْجُمْلَتَيْنِ وَاحِدًا بِاعْتِبَارِ مَا فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَةِ أَجْراً عَظِيماً فَبِذَلِكَ غَايَرَتِ الْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ الْجُمْلَةَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهَا مُغَايَرَةً سَوَّغَتِ الْعَطْفَ، مَعَ مَا فِي إِعَادَةِ مُعْظَمِ أَلْفَاظِهَا مِنْ تَوْكِيدٍ لَهَا.
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: الْمُجاهِدِينَ الْمُجَاهِدُونَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِ الْقَيْدِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِهِ فِي نَظِيرِهِ السَّابِقِ. وَانْتَصَبَ أَجْراً عَظِيماً عَلَى النِّيَابَةِ عَنِ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْمُبَيِّنِ لِلنَّوْعِ لِأَنَّ الْأَجْرَ هُوَ ذَلِكَ التَّفْضِيلُ، وَوُصِفَ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ.
وَانْتَصَبَ دَرَجَاتٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ أَجْراً عَظِيماً، أَوْ عَلَى الْحَالِ بِاعْتِبَارِ وَصْفِ دَرَجَاتٍ بِأَنَّهَا مِنْهُ أَيْ مِنَ اللَّهِ.
وَجُمِعَ دَرَجاتٍ لِإِفَادَةِ تَعْظِيمِ الدَّرَجَةِ لِأَنَّ الْجَمْعَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْكَثْرَةِ تُسْتَعَارُ صِيغَتُهُ لِمَعْنَى الْقُوَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَلْقَمَةَ لَمَّا أَنْشَدَ الْحَارِثَ بْنَ جَبَلَةَ مَلِكَ غَسَّانَ قَوْلَهُ يَسْتَشْفِعُ لِأَخِيهِ شَأْسِ بْنِ عَبْدَةَ:
وَفِي كُلِّ حَيٍّ قَدْ خَبَطْتَ بِنِعْمَةٍ ... فَحُقَّ لِشَأْسٍ مِنْ نَدَاكَ ذَنُوبُ
قَالَ لَهُ الْملك «وأذنبة» .

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 172
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست