responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 157
يَنْتَفِي قَتْلُ الْمُؤْمِنِ مُؤْمِنًا فِي كُلِّ حَالٍ إِلَّا فِي حَالِ عَدَمِ الْقَصْدِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يَبْدُو فِي مَعْنَى الْآيَةِ.
وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ قَوْلَهُ: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ خَبَرًا مُرَادًا بِهِ النَّهْيُ، اسْتُعْمِلَ الْمُرَكَّبُ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ التَّمْثِيلِيِّ، وَتَجْعَلَ قَوْلَهُ: إِلَّا خَطَأً تَرْشِيحًا لِلْمَجَازِ: عَلَى نَحْوِ مَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، فَيَحْصُلُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْخَطَأِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا النَّهْيُ، إِذْ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ الْخَطَأَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ، يَعْنِي إِنْ كَانَ نَوْعٌ مِنْ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ مَأْذُونًا فِيهِ لِلْمُؤْمِنِ، فَهُوَ قَتْلُ الْخَطَأِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُخْطِئَ لَا يَأْتِي فِعْلَهُ قَاصِدًا امْتِثَالًا وَلَا عِصْيَانًا، فَرَجَعَ الْكَلَامُ إِلَى مَعْنَى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا قَتْلًا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِرَادَةُ وَالْقَصْدُ بِحَالٍ أَبَدًا، فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مَبْدَأَ التَّشْرِيعِ، وَمَا بَعْدَهَا كَالتَّفْصِيلِ لَهَا وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَا يُشْكِلُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا خَطَأً. وَذَهَبَ الْمُفَسِّرُونَ إِلَى أَنَّ مَا كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً مُرَادٌ بِهِ النَّهْيُ، أَيْ خَبَرٌ فِي مَعْنَى الْإِنْشَاءِ فَالْتَجَأُوا إِلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى (لَكِنْ) فِرَارًا مِنَ اقْتِضَاءِ مَفْهُومِ الِاسْتِثْنَاءِ إِبَاحَةَ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنًا خَطَأً، وَقَدْ فَهِمْتَ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَوَهَّمٍ هُنَا.
وَإِنَّمَا جِيءَ بِالْقَيْدِ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً مُرَادٌ بِهِ ادِّعَاءُ الْحَصْرِ أَوِ النَّهْيِ كَمَا عَلِمْتَ، وَلَوْ كَانَ الْخَبَرُ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَاسْتَغْنَى عَنِ الْقَيْدِ لِانْحِصَارِ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ بِمُقْتَضَاهُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، فَيُسْتَغْنَى عَنْ تَقْيِيدِهِ بِهِ.
رَوَى الطَّبَرَيُّ، وَالْوَاحِدِيُّ، فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَة: أنّ عيّاشا بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَخَا أَبِي جَهْلٍ لِأُمِّهِ فَخَرَجَ أَبُو جَهْلٍ وَأَخُوهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَالْحَارِثُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ فِي طَلَبِهِ، فَأَتَوْهُ بِالْمَدِينَةِ وَقَالُوا لَهُ: إِنَّ أُمَّكَ أَقْسَمَتْ أَنْ لَا يُظِلَّهَا بَيْتٌ حَتَّى تَرَاكَ، فَارْجِعْ مَعَنَا حَتَّى تَنْظُرَ إِلَيْكَ ثُمَّ ارْجِعْ، وَأَعْطَوْهُ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ أَن لَا يهجوه، وَلَا يَحُولُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ دِينِهِ، فَخَرَجَ مَعَهُمْ فَلَمَّا جَاوَزُوا الْمَدِينَةَ أَوْثَقُوهُ، وَدَخَلُوا بِهِ مَكَّةَ، وَقَالُوا لَهُ «لَا نَحُلُّكَ مِنْ وَثَاقِكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِالَّذِي آمَنْتَ بِهِ» . وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ زَيْدٍ يَجْلِدُهُ وَيُعَذِّبُهُ، فَقَالَ عَيَّاشٌ لِلْحَارِثِ «وَاللَّهِ لَا أَلْقَاكَ خَالِيًا إِلَّا قَتَلْتُكَ» فَبَقِيَ بِمَكَّةَ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 157
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست