responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 145
[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 86]
وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً [النِّسَاء: 85] بِاعْتِبَارِ مَا قُصِدَ مِنَ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ عَلَيْهَا، وَهُوَ التَّرْغِيبُ فِي الشَّفَاعَةِ الْحَسَنَةِ وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الشَّفَاعَةِ السَّيِّئَةِ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ التَّرْغِيبَ فِي قَبُولِ الشَّفَاعَةِ الْحَسَنَةِ وَرَدِّ الشَّفَاعَةِ السَّيِّئَةِ. وَإِذْ قَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِ الشَّفِيعِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمُسْتَشْفَعِ إِلَيْهِ بِالسَّلَامِ اسْتِئْنَاسًا لَهُ لِقَبُولِ الشَّفَاعَةِ، فَالْمُنَاسَبَةُ فِي هَذَا الْعَطْفِ هِيَ أَنَّ الشَّفَاعَةَ تَقْتَضِي حُضُورَ الشَّفِيعِ عِنْدَ الْمَشْفُوعِ إِلَيْهِ، وَأَنَّ صِفَةَ تَلَقِّي الْمَشْفُوعِ إِلَيْهِ لِلشَّفِيعِ تُؤْذِنُ بِمِقْدَارِ اسْتِعْدَادِهِ لِقَبُولِ الشَّفَاعَةِ، وَأَنَّ أَوَّلَ بَوَادِرِ اللِّقَاءِ هُوَ السَّلَامُ وَرَدُّهُ، فَعَلَّمَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ أَدَبَ الْقَبُولِ وَاللِّقَاءِ فِي الشَّفَاعَةِ وَغَيْرِهَا- وَقَدْ كَانَ لِلشَّفَاعَاتِ عِنْدَهُمْ شَأْنٌ عَظِيمٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: مَاذَا تَقُولُونَ فِيهِ؟ قَالُوا: هَذَا جَدِيرٌ إِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ
... الْحَدِيثَ- حَتَّى إِذَا قَبِلَ الْمُسْتَشْفَعُ إِلَيْهِ الشَّفَاعَةَ كَانَ قَدْ طَيَّبَ خَاطِرَ الشَّفِيعِ، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ كَانَ فِي حُسْنِ التَّحِيَّةِ مَرْضَاةٌ لَهُ عَلَى الْجُمْلَةِ. وَهَذَا دَأْبُ الْقُرْآنِ فِي انْتِهَازِ فُرَصِ الْإِرْشَادِ وَالتَّأْدِيبِ.
وَبِهَذَا الْبَيَانِ تَنْجَلِي عَنْكَ الْحَيْرَةُ الَّتِي عَرَضَتْ فِي تَوْجِيهِ انْتِظَامِ هَذِهِ الْآيَةِ مَعَ سَابِقَتِهَا، وَتَسْتَغْنِي عَنِ الِالْتِجَاءِ إِلَى الْمُنَاسَبَاتِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي صَارُوا إِلَيْهَا.
وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها عَلَى الْأَمْرِ بِرَدِّ السَّلَامِ، وَوُجُوبِ الرَّدِّ لأنّ أصل صغية الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْوُجُوبِ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فِي مَحْمَلِ صِيغَةِ الْأَمْرِ،
وَلِذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ رَدِّ السَّلَامِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا إِذَا كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ جَمَاعَةً هَلْ يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: فَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ وُجُوبَ الْكِفَايَةِ فَإِذَا رَدَّ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ، وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الْجَمَاعَةُ كَثِيرَةً يَصِيرُ رَدُّ الْجَمِيعِ غَوْغَاءَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الرَّدُّ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ مِنَ الْجَمَاعَةِ بِعَيْنِهِ. وَلَعَلَّ دَلِيلَهُ فِي ذَلِكَ الْقِيَاسُ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 145
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست