responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 140
بَادَرُوا بِإِذَاعَتِهِ، أَوْ إِذَا سَمِعُوا خَبَرًا عَنِ الرَّسُولِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَعَنْ أَصْحَابِهِ، فِي تَدْبِيرِ أَحْوَالِ
الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَحْوَالِ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ، تَحَدَّثُوا بِتِلْكَ الْأَخْبَارِ فِي الْحَالَيْنِ، وَأَرْجَفُوهَا بَيْنَ النَّاسِ لِقَصْدِ التَّثْبِيطِ عَنِ الِاسْتِعْدَادِ، إِذَا جَاءَتْ أَخْبَارُ أَمْنٍ حَتَّى يُؤْخَذَ الْمُؤْمِنُونَ وَهُمْ غَارُّونَ، وَقَصْدِ التَّجْبِينِ إِذَا جَاءَتْ أَخْبَارُ الْخَوْفِ، وَاخْتِلَافِ الْمَعَاذِيرِ لِلتَّهْيِئَةِ لِلتَّخَلُّفِ عَنِ الْغَزْوِ إِذَا اسْتُنْفِرُوا إِلَيْهِ، فَحَذَّرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مَكَائِدِ هَؤُلَاءِ، وَنَبَّهَ هَؤُلَاءِ عَلَى دَخِيلَتِهِمْ، وَقَطْعِ مَعْذِرَتِهِمْ فِي كَيْدِهِمْ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ إِلَخْ، أَيْ لَوْلَا أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ السُّوءَ لَاسْتَثْبَتُوا الْخَبَرَ مِنَ الرَّسُولِ وَمِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ.
وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ فَالْآيَةُ عِتَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي هَذَا التَّسَرُّعِ بِالْإِذَاعَةِ، وَأَمْرُهُمْ بِإِنْهَاءِ الْأَخْبَارِ إِلَى الرَّسُولِ وَقَادَةِ الصَّحَابَةِ لِيَضَعُوهُ مَوَاضِعَهُ وَيُعَلِّمُوهُمْ مَحَامِلَهُ.
وَقِيلَ: كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَخْتَلِقُونَ الْأَخْبَارَ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْوَاقِعِ، لِيَظُنَّ الْمُسْلِمُونَ الْأَمْنَ حِينَ الْخَوْفِ فَلَا يَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ، أَوِ الْخَوْفَ حِينَ الْأَمْنِ فَتَضْطَرِبُ أُمُورُهُمْ وَتَخْتَلُّ أَحْوَالُ اجْتِمَاعِهِمْ، فَكَانَ دَهْمَاءُ الْمُسْلِمِينَ إِذَا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ رَاجَ عِنْدَهُمْ فَأَذَاعُوا بِهِ، فَتَمَّ لِلْمُنَافِقِينَ الدَّسْتُ، وَتَمَشَّتِ الْمَكِيدَةُ، فَلَامَهُمُ اللَّهُ وَعَلَّمَهُمْ أَنْ يُنْهُوا الْأَمْرَ إِلَى الرَّسُولِ وَجِلَّةِ أَصْحَابِهِ قَبْلَ إِشَاعَتِهِ لِيَعْلَمُوا كُنْهَ الْخَبَرِ وَحَالَهُ مِنَ الصِّدْقِ أَوِ الْكَذِبِ، وَيَأْخُذُوا لِكُلِّ حَالَةٍ حَيْطَتَهَا، فَيَسْلَمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ مَكْرِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِي قَصَدُوهُ.
وَهَذَا بَعِيدٌ مِنْ قَوْلِهِ: جاءَهُمْ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: لَعَلِمَهُ هُوَ دَلِيلُ جَوَابِ (لَوْ) وَعِلَّتُهُ، فَجُعِلَ عِوَضَهُ وَحُذِفَ الْمَعْلُول، إِذْ الْمَقْصُود لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ فَلَبَيَّنُوهُ لَهُمْ عَلَى وَجْهِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَ ذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ اخْتَلَقُوا الْخَبَرَ فَلَخَابُوا إِذْ يُوقِنُونَ بِأَنَّ حِيلَتَهُمْ لَمْ تَتَمَشَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَيَكُونُ الْمَوْصُولُ صَادِقًا عَلَى الْمُخْتَلِقِينَ بِدَلَالَةِ الْمَقَامِ، وَيَكُونُ ضَمِيرُ مِنْهُمْ الثَّانِي عَائِدًا عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ.
وَالرَّدُّ حَقِيقَتُهُ إِرْجَاعُ شَيْءٍ إِلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ مَكَانٍ أَوْ يَدٍ. وَاسْتُعْمِلَ هُنَا مَجَازًا فِي إِبْلَاغِ الْخَبَرِ إِلَى أَوْلَى النَّاسِ بِعِلْمِهِ. وَأُولُو الْأَمْرِ هُمْ كُبَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلُ الرَّأْيِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 140
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست