responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 136
أَيْ أَمْرُنَا أَوْ شَأْنُنَا طَاعَةٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يُوسُف: 18] . وَلَيْسَ هُوَ نَائِبًا عَنِ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْآتِي بَدَلًا مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي يُعْدَلُ عَنْ نَصْبِهِ إِلَى الرَّفْعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثَّبَاتِ مِثْلَ «قَالَ سَلَامٌ» ، إِذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا إِحْدَاثَ الطَّاعَةِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّنَا سَنُطِيعُ وَلَا يَكُونُ مِنَّا عِصْيَانٌ.
وَمَعْنَى بَرَزُوا خَرَجُوا، وَأَصْلُ مَعْنَى الْبُرُوزِ الظُّهُورُ، وَشَاعَ إِطْلَاقُهُ عَلَى الْخُرُوجِ مَجَازًا مُرْسَلًا.
وبَيَّتَ هُنَا بِمَعْنَى قَدَّرَ أَمْرًا فِي السِّرِّ وَأَضْمَرَهُ، لِأَنَّ أَصْلَ الْبَيَاتِ هُوَ فِعْلُ شَيْءٍ فِي اللَّيْلِ، وَالْعَرَبُ تَسْتَعِيرُ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى الْإِسْرَارِ، لِأَنَّ اللَّيْلَ أَكْتَمُ لِلسِّرِّ، وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ: هَذَا
أَمْرٌ قُضِيَ بِلَيْلٍ، أَيْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:
أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ بِلَيْلٍ فَلَمَّا ... أَصْبَحُوا أَصْبَحَتْ لَهُمْ ضَوْضَاءُ
وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هَذَا أَمْرٌ قُضِيَ بِلَيْلٍ. وَقَالَ تَعَالَى: لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ [النَّمْل: 49] أَيْ:
لَنَقْتُلَنَّهُمْ لَيْلًا. وَقَالَ: وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ
[النِّسَاء: 108] . وَتَاءُ الْمُضَارَعَةِ فِي غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ لِلْمُؤَنَّثِ الْغَائِبِ، وَهُوَ الطَّائِفَةُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ خِطَابُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ لَهُمْ أَنْتَ، فَيُجِيبُونَ عَنْهُ بِقَوْلِهِمْ: طَاعَةٌ. وَمَعْنَى وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ التَّهْدِيدُ بِإِعْلَامِهِمْ أَنَّهُ لَنْ يُفْلِتَهُمْ مِنْ عِقَابِهِ، فَلَا يَغُرَّنَّهُمْ تَأَخُّرُ الْعَذَابِ مُدَّةً.
وَقَدْ دَلَّ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: يَكْتُبُ عَلَى تَجَدُّدِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يُضَاعُ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَقَوْلُهُ: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ أَمْرٌ بِعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يُخْشَى خِلَافُهُمْ، وَأَنَّهُ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا أَيْ مُتَوَكَّلًا عَلَيْهِ، وَلَا يَتَوَكَّلُ عَلَى طَاعَةِ هَؤُلَاءِ وَلَا يُحْزِنُهُ خِلَافُهُمْ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بَيَّتَ طائِفَةٌ- بِإِظْهَارِ تَاءِ (بَيَّتَ) مِنْ طَاءِ (طَائِفَةٍ) -. وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو، وَحَمْزَةُ، وَيَعْقُوبُ، وَخَلَفٌ- بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي الطَّاءِ- تَخْفِيفًا لقرب مخرجيهما.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 136
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست