responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 119
الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النِّسَاء: 138- 141] . وَعَلَى كَوْنِ المُرَاد ب لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ الْمُنَافِقِينَ حَمَلَ الْآيَةَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَقِيلَ: أُرِيدَ بِهِمْ ضَعَفَةُ الْمُؤْمِنِينَ يَتَثَاقَلُونَ عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى أَنْ يَتَّضِحَ أَمْرُ النَّصْرِ. قَالَ الْفَخْرُ «وَهَذَا اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ» وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى ومِنْكُمْ أَيْ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ. وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ فَقَدْ أُكِّدَ الْخَبَرُ بِأَقْوَى الْمُؤَكِّدَاتِ لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُتَلَقَّى بِالِاسْتِغْرَابِ. وَبَطَّأَ- بِالتَّضْعِيفِ- قَاصِرٌ، بِمَعْنَى تَثَاقَلَ فِي نَفْسِهِ عَنْ أَمْرٍ، وَهُوَ الْإِبْطَاءُ عَنِ الْخُرُوجِ إِبْطَاءٌ بِدَاعِي النِّفَاقِ أَوِ الْجُبْنِ. وَالْإِخْبَارُ بِذَلِكَ يَسْتَتْبِعُ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ، وَالتَّعْرِيضَ بِهِ، مَعَ كَوْنِ الْخَبَرِ بَاقِيًا عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ مُسْتَتْبَعَاتِ التَّرَاكِيبِ لَا تُوصَفُ بِالْمَجَازِ.
وَقَوْلُهُ: فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ تَفْرِيعٌ عَنْ لَيُبَطِّئَنَّ، إِذْ هَذَا الْإِبْطَاءُ تَارَةً يَجُرُّ لَهُ الِابْتِهَاجَ بِالسَّلَامَةِ، وَتَارَةً يَجُرُّ لَهُ الْحَسْرَة والندامة.
و (الْمُصِيبَة) اسْمٌ لِمَا أَصَابَ الْإِنْسَانَ مِنْ شَرٍّ، وَالْمُرَادُ هُنَا مُصِيبَةُ الْحَرْبِ أَعْنِي الْهَزِيمَةَ مِنْ قَتْلٍ وَأَسْرٍ.
وَمَعْنَى أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِنْعَامُ بِالسَّلَامَةِ: فَإِنْ كَانَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَوَصْفُ ذَلِكَ بِالنِّعْمَةِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْقَتْلَ عِنْدَهُمْ مُصِيبَةٌ مَحْضَةٌ إِذْ لَا يَرْجُونَ مِنْهُ ثَوَابًا وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَعَفَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ قَدْ عَدَّ نِعْمَةَ الْبَقَاءِ أَوْلَى مِنْ نِعْمَةِ فَضْلِ الشَّهَادَةِ لِشِدَّةِ الْجُبْنِ، وَهَذَا مِنْ تَغْلِيبِ الدَّاعِي الْجِبِلِّيِّ عَلَى الدَّاعِي الشَّرْعِيِّ.
وَالشَّهِيدُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: إِمَّا بِمَعْنَى الْحَاضِرِ الْمُشَاهِدِ لِلْقِتَالِ، وَإِمَّا تَهَكُّمٌ مِنْهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَ قَوْلِهِ: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ [المُنَافِقُونَ: 7] وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي الشَّهِيدُ بِمَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ الْقَتِيلُ فِي الْجِهَادِ. وَأُكِّدَ قَوْلُهُ:
وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ، بِاللَّامِ الْمُوَطِّئَةِ لِلْقَسَمِ وَبِلَامِ جَوَابِ الْقَسَمِ وَبِنُونِ التَّوْكِيدِ، تَنْبِيهًا عَلَى غَرِيبِ حَالَتِهِ حَتَّى يُنَزَّلَ سَامِعُهَا مَنْزِلَةَ الْمُنْكِرِ لِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُ. وَالْمُرَادُ مِنَ الْفَضْلِ الْفَتْحُ وَالْغَنِيمَةُ. وَهَذَا الْمُبَطِّئُ يَتَمَنَّى أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ الْجَيْشِ لِيَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا، وَهُوَ الْفَوْزُ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 119
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست