responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 106
بِكَسْرِ لَامِ الْقَافِيَةِ الْمَكْسُورَةِ، مَعْدُودًا لَحْنًا.
وَفِي «الْكَشَّافِ» أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ- أَيْ فِي زَمَانِ الزَّمَخْشَرِيِّ- يَقُولُونَ تَعَالِي لِلْمَرْأَةِ.
فَذَلِكَ مِنَ اللَّحْنِ الَّذِي دَخَلَ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِسَبَبِ انْتِشَارِ الدُّخَلَاءِ بَيْنَهُمْ.
وَوَجْهُ اشْتِقَاقِ تَعَالَ مِنْ مَادَّةِ الْعُلُوِّ أَنَّهُمْ تَخَيَّلُوا الْمُنَادِيَ فِي عُلُوٍّ وَالْمُنَادَى (بِالْفَتْحِ) فِي سُفْلٍ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ بُيُوتَهُمْ فِي الْمُرْتَفَعَاتِ لِأَنَّهَا أَحْصَنُ لَهُمْ، وَلِذَلِكَ كَانَ أَصْلُهُ
أَنْ يَدُلَّ عَلَى طَلَبِ حُضُورٍ لِنَفْعٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِير فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا مَا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [104] : «تَعَالَ نِدَاءٌ بِبِرٍّ، هَذَا أَصْلُهُ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ حَيْثُ الْبِرُّ وَحَيْثُ ضِدُّهُ» . وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ النِّسَاءِ: «وَهِيَ لَفْظَةٌ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْعُلُوِّ لَمَّا اسْتُعْمِلَتْ فِي دُعَاءِ الْإِنْسَانِ وَجَلْبِهِ صِيغَتْ مِنَ الْعُلُوِّ تَحْسِينًا لِلْأَدَبِ كَمَا تَقُولُ: ارْتَفِعْ إِلَى الْحَقِّ وَنَحْوِهِ» . وَاعْلَمْ أَنَّ تَعَالَ لَمَّا كَانَتْ فِعْلًا جَامِدًا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُصَاغَ مِنْهُ غَيْرُ الْأَمْرِ، فَلَا تَقُولُ: تَعَالَيْتُ بِمَعْنَى حَضَرْتُ، وَلَا تَنْهَى عَنْهُ فَتَقُولُ: لَا تَتَعَالْ. قَالَ فِي «الصِّحَاحِ» «وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مِنْهُ تَعَالَيْتُ وَلَا يُنْهَى عَنْهُ» . وَفِي «الصِّحَاحِ» عَقِبَهُ «وَتَقُولُ: قَدْ تَعَالَيْتُ وَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ أَتَعَالَى» يَعْنِي أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خُصُوصِ جَوَابِ الطَّلَبِ لِمَنْ قَالَ لَكَ تَعَالَ، وَتَبِعَهُ فِي هَذَا صَاحِبُ «اللِّسَانِ» وَأَغْفَلَ الْعِبَارَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَأَمَّا صَاحِبُ «تَاجِ الْعَرُوسِ» فَرُبَّمَا أَخْطَأَ إِذْ قَالَ: «قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مِنْهُ: تَعَالَيْتُ وَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ أَتَعَالَى» وَلَعَلَّ النُّسْخَةَ قَدْ وَقَعَ فِيهَا نَقْصٌ أَوْ خَطَأٌ مِنَ النَّاسِخِ لِظَنِّهِ فِي الْعِبَارَةِ تَكْرِيرًا، وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا لِئَلَّا تَقَعَ فِي أَخْطَاءٍ وَحَيْرَةٍ.
وَ (تَعَالَوْا) مُسْتَعْمَلٌ هُنَا مَجَازًا، إِذْ لَيْسَ ثَمَّةَ حُضُورٌ وَإِتْيَانٌ، فَهُوَ مَجَازٌ فِي تَحْكِيمِ كِتَابِ اللَّهِ وَتَحْكِيمِ الرَّسُولِ فِي حُضُورِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: إِلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِذْ لَا يَحْكُمُ اللَّهُ إِلَّا بِوَاسِطَةِ كَلَامِهِ، وَأَمَّا تَحْكِيمُ الرَّسُولِ فَأُرِيدَ بِهِ تَحْكِيمُ ذَاتِهِ لِأَنَّ الْقَوْمَ الْمُخْبَرَ عَنْهُمْ كَانُوا مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَ (صُدُودًا) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِلتَّوْكِيدِ، وَلِقَصْدِ التَّوَصُّلِ بِتَنْوِينِ صُدُوداً لِإِفَادَةِ أَنَّهُ تَنْوِين تَعْظِيم.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 106
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست