responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 104
وَالْآخَرُ من الْيَهُود تدارءا فِي حَقٍّ، فَدَعَاهُ الْيَهُودِيُّ إِلَى التَّحَاكُمِ عِنْدَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ. وَدَعَاهُ الْأَنْصَارِيُّ إِلَى التَّحَاكُمِ لِلْكَاهِنِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يَرْتَشِي، فَيَقْضِي لَهُ، فَنَزَلَتْ فِيهِمَا هَذِهِ الْآيَةُ. وَفِي رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ مِثْلُ مَا قَالَ قَتَادَةُ، وَلَكِنَّهُ وَصَفَ الْأَنْصَارِيَّ بِأَنَّهُ مُنَافِقٌ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْخُصُومَةَ بَيْنَ مُنَافِقٍ وَيَهُودِيٍّ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ «لِنَنْطَلِقْ إِلَى مُحَمَّدٍ» وَقَالَ الْمُنَافِقُ «بَلْ نَأْتِي كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيَّ» وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ الطَّاغُوتَ.
وَصِيغَةُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ يَزْعُمُونَ مُرَادٌ بِهَا وَاحِدٌ. وَجِيءَ بِاسْمِ مَوْصُولِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامَ تَوْبِيخٍ، كَقَوْلِهِمْ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا، لِيَشْمَلَ الْمَقْصُودَ وَمَنْ كَانَ عَلَى شَاكِلَتِهِ. وَالزَّعْمُ: خَبَرٌ كَاذِبٌ، أَوْ مَشُوبٌ بِخَطَأٍ، أَوْ بِحَيْثُ يَتَّهِمُهُ النَّاسُ بِذَلِكَ، فَإِنَّ الْأَعْشَى لَمَّا قَالَ يمدح قيسا بْنَ مَعْدِ يكَرِبَ الْكِنْدِيَّ:
وَنُبِّئْتُ قَيْسًا وَلَمْ أَبْلُهُ ... كَمَا زَعَمُوا خَيْرَ أَهْلِ الْيَمَنْ
غَضِبَ قَيْسٌ وَقَالَ: «وَمَا هُوَ إِلَّا الزَّعْمُ» ، وَقَالَ تَعَالَى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا [التغابن: 7] ، وَيَقُولُ الْمُحَدِّثُ عَنْ حَدِيثٍ غَرِيبٍ فَزَعَمَ فُلَانٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَذَا، أَيْ لِإِلْقَاءِ الْعُهْدَةِ عَلَى الْمُخْبِرِ، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ زَعَمَ الْخَلِيلُ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: الزَّعْمُ مَطِيَّةُ الْكَذِبِ.
وَيُسْتَعْمَلُ الزَّعْمُ فِي الْخَبَرِ الْمُحَقَّقِ بِالْقَرِينَةِ، كَقَوْلِهِ:
زَعَمَ الْعَوَاذِلُ أَنَّنِي فِي غَمْرَةٍ ... صَدَقُوا وَلَكِنْ غَمْرَتِي لَا تَنْجَلِي
فَقَوْلُهُ صَدَقُوا هُوَ الْقَرِينَةُ، وَمُضَارِعُهُ مُثَلَّثُ الْعَيْنِ، وَالْأَفْصَحُ فِيهِ الْفَتْحُ.
وَقَدْ كَانَ الَّذِينَ أَرَادُوا التَّحَاكُمَ إِلَى الطَّاغُوتِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، فَإِطْلَاقُ الزَّعْمِ عَلَى إِيمَانِهِمْ ظَاهِرٌ.
وَعُطِفَ قَوْلُهُ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا مِنَ الْيَهُودِ، وَقَدْ دَخَلَ الْمَعْطُوفُ فِي حَيِّزِ الزَّعْمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إِيمَانَهُمْ بِمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ لَمْ يَكُنْ مُطَّرِدًا، فَلِذَلِكَ كَانَ ادِّعَاؤُهُمْ ذَلِكَ زَعْمًا، لِانْتِفَاءِ إِيمَانِهِمْ بِالتَّوْرَاةِ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ مِثْلِ هَذَا، إِذْ لَوِِْ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 104
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست