responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 96
وَجِيءَ بِ (قَدْ) ، الدَّالَّةِ عَلَى تَأْكِيدِ الْخَبَرِ، تَنْزِيلًا لَهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يُنْكِرُ ذَلِكَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ مِنِ انْكِسَارِ الْخَوَاطِرِ مِنْ جَرَّاءِ الْهَزِيمَةِ الْحَاصِلَةِ لَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مَعَ أَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ لِنَصْرِ دِينِ اللَّهِ، وَبَعْدَ أَنْ ذَاقُوا حَلَاوَةَ النَّصْرِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَيَّنَ اللَّهُ لَهُمْ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ سنّة هَذَا
الْعَامِل أَنْ تَكُونَ الْأَحْوَالُ فِيهِ سِجَالًا وَمُدَاوَلَةً، وَذَكَّرَهُمْ بِأَحْوَالِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، فَقَالَ:
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ. وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَى نَصْرِهِمْ، وَلَكِنَّ الْحِكْمَةَ اقْتَضَتْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَغْتَرَّ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَحْسَبُ أَنَّ النَّصْرَ حَلِيفُهُمْ. وَمَعْنَى خَلَتْ مَضَتْ وَانْقَرَضَتْ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمرَان: 137] .
وَالسُّنَنُ جَمْعُ سُنَّةٍ- وَهِيَ السِّيرَةُ مِنَ الْعَمَلِ أَوِ الْخُلُقِ الَّذِي يلازم الْمَرْء صُدُورَ الْعَمَلِ عَلَى مِثَالِهَا قَالَ لَبِيدٌ:
مِنْ مَعْشَرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آبَاؤُهُمْ ... وَلِكُلِّ قَوْمٍ سُنَّةٌ وَإِمَامُهَا
وَقَالَ خَالِدٌ الْهُذَلِيُّ يُخَاطِبُ أَبَا ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيَّ:
فَلَا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أَنْتَ سُرَّتُهَا ... فَأَوَّلُ رَاضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا
وَقَدْ تردّد اعْتِبَار أئمّة اللُّغَةِ إِيَّاهَا جَامِدًا غَيْرَ مُشْتَقٍّ، أَوِ اسْمَ مَصْدَرِ سَنَّ، إِذْ لَمْ يَرِدْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ السَّنُ بِمَعْنَى وَضْعِ السُّنَّةِ، وَفِي «الْكَشَّافِ» فِي قَوْلِهِ: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ [38] : سُنَّةَ اللَّهِ اسْمٌ مَوْضُوعٌ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ كَقَوْلِهِمْ تُرْبًا وَجَنْدَلَا، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ اسْمٌ جَامِدٌ أُقِيمَ مَقَامَ الْمَصْدَرِ كَمَا أُقِيمَ تُرْبًا وَجَنْدَلًا مَقَامَ تَبًّا وَسُحْقًا فِي النَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، الَّتِي هِيَ مِنْ شَأْنِ الْمَصَادِرِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى تُرَابٌ لَهُ وَجَنْدَلٌ لَهُ أَيْ حُصِبَ بِتُرَابٍ وَرُجِمَ بِجَنْدَلٍ. وَيَظْهَرُ أَنَّهُ مُخْتَارُ صَاحِبِ «الْقَامُوسِ» لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي مَادَّةِ سَنَّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ السنّة اسْم مصدر، وَلَا أَتَى بِهَا عَقِبَ فِعْلِ سَنَّ، وَلَا ذَكَرَ مَصْدَرًا لِفِعْلِ سَنَّ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِعْلُ سَنَّ هُوَ الْمُشْتَقُّ مِنَ السُّنَّةِ اشْتِقَاقَ الْأَفْعَالِ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْجَامِدَةِ، وَهُوَ اشْتِقَاقٌ نَادِرٌ. وَالْجَارِي بِكَثْرَةٍ عَلَى أَلْسِنَة المفسّرين والمعربين: أَنَّ السُّنَّةَ اسْمُ مَصْدَرِ سَنَّ وَلَمْ يَذْكُرُوا لِفِعْلِ سَنَّ مَصْدَرًا

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 96
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست