responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 42
الْمُنَاكِرِ وَتَعْيِينِ كَيْفِيَّةِ الْقِيَامِ بِتَغْيِيرِهَا، وَسَمَّوْا تِلْكَ الْوِلَايَةَ بِالْحِسْبَةِ، وَقَدْ أَوْلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي هَاتِهِ الْوِلَايَةِ أُمِّ الشِّفَاءِ،
وَأَشْهَرُ مِنْ وَلِيَهَا فِي الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ ابْنُ عَائِشَةَ، وَكَانَ رَجُلًا صُلْبًا فِي الْحَقِّ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْوِلَايَةُ فِي الْمَغْرِبِ وِلَايَةُ السُّوق وَقد وَليهَا فِي قُرْطُبَةَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَرْتَنِيلَ الْقُرْطُبِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْأَشَجِّ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الْقَاسِمِ تُوُفِّيَ سَنَةَ 220. وَكَانَتْ فِي الدَّوْلَةِ الْحَفْصِيَّةِ وِلَايَةُ الْحِسْبَةِ مِنَ الْوِلَايَاتِ النَّبِيهَةِ وَرُبَّمَا ضُمَّتْ إِلَى الْقَضَاءِ كَمَا كَانَ الْحَالُ فِي تُونُسَ بَعْدَ الدَّوْلَةِ الْحَفْصِيَّةِ.
وَجُمْلَةُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى صِفَاتِ أُمَّةٍ وَهِيَ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا جُمَلُ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالتَّقْدِيرُ: وَهُمْ مُفْلِحُونَ: لِأَنَّ الْفَلَاحَ لَمَّا كَانَ مُسَبِّبًا عَلَى تِلْكَ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ صِفَةٍ لَهُمْ، وَيَجُوزُ جَعْلُ جُمْلَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ حَالًا مِنْ أُمَّةٍ، وَالْوَاوُ لِلْحَالِ.
وَالْمَقْصُودُ بِشَارَتُهُمْ بِالْفَلَاحِ الْكَامِلِ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ. وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ فَصْلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَمَّا قَبْلَهَا بِدُونِ عَطْفٍ، مِثْلَ فَصْلِ جُمْلَةِ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: 5] لَكِنَّ هَذِهِ عُطِفَتْ أَوْ جَاءَتْ حَالًا لِأَنَّ مَضْمُونَهَا جَزَاءً عَنِ الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا، فَهِيَ أَجْدَرُ بِأَنْ تُلْحَقَ بِهَا.
وَمُفَادُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ قَصْرُ صِفَةِ الْفَلَاحِ عَلَيْهِمْ، فَهُوَ إِمَّا قَصْرٌ إِضَافِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ مَعَ الْمَقْدِرَةِ عَلَيْهِ وَإِمَّا قَصْرٌ أُرِيدَ بِهِ الْمُبَالَغَةُ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِفَلَاحِ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ مَعْنَى قَصْدِ الدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَى الْكَمَالِ.
وَقَوْلُهُ: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ- قَبْلُ-: وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمرَان: 103] لِمَا فِيهِ مِنْ تَمْثِيلِ حَالِ التَّفَرُّقِ فِي أَبْشَعِ صُوَرِهِ الْمَعْرُوفَةِ لَدَيْهِمْ من مطالعة أَحْوَال الْيَهُودِ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ تَرْكَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ يُفْضِي إِلَى التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ إِذْ تَكْثُرُ النَّزَعَاتُ وَالنَّزَغَاتُ وَتَنْشَقُّ الْأُمَّةُ بِذَلِكَ انْشِقَاقًا شَدِيدًا.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 42
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست