responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 39
وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ قَالَ تَعَالَى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ [التَّوْبَة: 122] الْآيَةَ.
وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ بِالضَّمِيرِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ تَبَعًا لِكَوْنِ الْمُخَاطَبِ بِيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِيَّاهُمْ أَيْضًا، كَانَتْ (مِنْ) لِلتَّبْعِيضِ لَا مَحَالَةَ، وَكَانَ الْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ الطَّائِفَةَ إِذْ لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ مَأْمُورِينَ بِالدُّعَاءِ إِلَى الْخَيْرِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، بَلْ يَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى ذَهَبَ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَالطَّبَرِيُّ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْمَأْمُورُ جَمَاعَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ حُصُولُ هَذَا الْفِعْلِ الَّذِي فُرِضَ عَلَى الْأُمَّةِ وُقُوعُهُ.
عَلَى أَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ تَكُونَ (مِنْ) بَيَانِيَّةً بِمَعْنَى أَنْ يَكُونُوا هُمُ الْأُمَّةَ وَيَكُونَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِمْ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، إِقَامَةُ ذَلِكَ فِيهِمْ وَأَنْ لَا يَخْلُوا عَنْ ذَلِكَ عَلَى حَسْبِ الْحَاجَةِ وَمِقْدَارِ الْكَفَاءَةِ لِلْقِيَامِ بِذَلِكَ، وَيَكُونُ هَذَا جَارِيًا عَلَى الْمُعْتَادِ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ وَصْفِ الْقَبِيلَةِ بِالصِّفَاتِ الشَّائِعَةِ فِيهَا الْغَالِبَةِ عَلَى أَفْرَادِهَا كَقَوْلِهِمْ: بَاهِلَةُ لِئَامٍ، وَعُذْرَةُ عُشَّاقٍ.
وَعَلَى هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ تَجْرِي الِاعْتِبَارَاتُ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا كَمَا سَيَأْتِي.
إِنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى الْخَيْرِ تَتَفَاوَتُ: فَمِنْهَا مَا هُوَ بَيِّنٌ يَقُومُ بِهِ كُلُّ مُسْلِمٍ، وَمِنْهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى عِلْمٍ فَيَقُومُ بِهِ أَهْلُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، يَعْنِي إِذَا قَامَ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ كَفَى عَنْ قِيَامِ الْبَاقِينَ، وَتَتَعَيَّنُ الطَّائِفَةُ الَّتِي تَقُومُ بِهَا بِتَوَفُّرِ شُرُوطِ الْقِيَامِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِيهَا. كَالْقُوَّةِ عَلَى السِّلَاحِ فِي الْحَرْبِ، وَكَالسِّبَاحَةِ فِي إِنْقَاذِ الْغَرِيقِ، وَالْعِلْمِ بِأُمُورِ الدِّينِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَكَذَلِكَ تَعَيُّنُ الْعَدَدِ الَّذِي يَكْفِي لِلْقِيَامِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ مِثْلَ كَوْنِ الْجَيْشِ نِصْفَ عَدَدِ جَيْشِ الْعَدُوِّ، وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ يَسْتَلْزِمُ مُتَعَلِّقًا فَالْمَأْمُورُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ الْفَرِيقُ الَّذِينَ فِيهِمُ الشُّرُوطُ، وَمَجْمُوعُ أَهْلِ الْبَلَدِ، أَوِ الْقَبِيلَةِ،

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 39
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست