responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 37
مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَسْبِقْهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ لَكَانَ هُوَ حَرِيًّا بِأَنْ يُؤْمَرَ بِهِ، فَلَا يَكُونُ مَذْكُورًا لِأَجْلِ التَّفَرُّعِ عَنْ غَيْرِهِ وَالتَّبَعِ.
وَفِيهِ مِنْ حُسْنِ الْمُقَابَلَةِ فِي التَّقْسِيمِ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ الْخَطَابَةِ: وَذَلِكَ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ كُفْرَهُمْ وَصَدَّهُمُ النَّاسَ عَنِ الْإِيمَانِ، فَقَالَ: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى مَا تَعْمَلُونَ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [آل عمرَان: 98، 99] الْآيَةَ.
وَقَابَلَ ذَلِكَ بِأَنْ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِيمَانِ وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ إِذْ قَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمرَان: 102] وَقَوْلُهُ: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ الْآيَةَ.
وَصِيغَةُ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ صِيغَةُ وُجُوبٍ لِأَنَّهَا أَصْرَحُ فِي الْأَمْرِ مِنْ صِيغَةِ افْعَلُوا لِأَنَّهَا أَصْلُهَا. فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ غَيْرَ مَعْلُومٍ بَيْنَهُمْ مِنْ قِبَلِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَالْأَمْرُ لِتَشْرِيعِ الْوُجُوبِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حَاصِلًا بَيْنَهُمْ مِنْ قَبْلُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمرَان:
110] فَالْأَمْرُ لِتَأْكِيدِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَوُجُوبِهِ، وَفِيهِ زِيَادَةُ الْأَمْرِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الْخَيْرِ وَقَدْ كَانَ الْوُجُوبُ مُقَرَّرًا مِنْ قَبْلُ بِآيَاتٍ أُخْرَى مِثْلِ: وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ [الْعَصْر: 3] ، أَوْ بِأَوَامِرَ نَبَوِيَّةٍ. فَالْأَمْرُ لِتَأْكِيدِ الْوُجُوبِ أَيْضًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ عَلَيْهِ، مِثْلُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ [النِّسَاء: 136] .
وَالْأُمَّةُ الْجَمَاعَةُ وَالطَّائِفَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها [الْأَعْرَاف:
38] .
وأصل الأمّة فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الطَّائِفَةُ مِنَ النَّاسِ الَّتِي تَؤُمُّ قَصْدًا وَاحِدًا: مِنْ نَسَبٍ أَوْ مَوْطِنٍ أَوْ دِينٍ، أَوْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ، وَيَتَعَيَّنُ مَا يَجْمَعُهَا بِالْإِضَافَةِ أَوِ الْوَصْفِ كَقَوْلِهِمْ: أُمَّةُ الْعَرَبِ وَأُمَّةُ غَسَّانَ وَأُمَّةُ النَّصَارَى.
وَالْمُخَاطَبُ بِضَمِيرِ (مِنْكُمْ) إِنْ كَانَ هُمْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 37
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست