responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 34
وَالْإِخْوَانُ جَمْعُ الْأَخِ، مِثْلُ الْإِخْوَةِ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ الْإِخْوَانُ بِالْأَخِ الْمَجَازِيِّ وَالْإِخْوَةُ بِالْأَخِ الْحَقِيقِيِّ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ تَعَالَى: أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ [النُّور: 61] وَقَالَ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] وَلَيْسَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ صِيغَةٌ خَاصَّةٌ فِي الْجَمْعِ أَوِ الْمُفْرَدِ وَإِلَّا لَبَطَلَ كَوْنُ اللَّفْظِ مَجَازًا وَصَارَ مُشْتَرَكًا، لَكِنْ لِلِاسْتِعْمَالِ أَنْ يُغَلِّبَ إِطْلَاقُ إِحْدَى الصِّيغَتَيْنِ الْمَوْضُوعَتَيْنِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ فَيُغَلِّبُهَا فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَالْأُخْرَى فِي الْحَقِيقِيِّ.
وَقَدِ امْتَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِتَغْيِيرِ أَحْوَالِهِمْ مِنْ أَشْنَعِ حَالَةٍ إِلَى أَحْسَنِهَا: فَحَالَةٌ كَانُوا عَلَيْهَا هِيَ حَالَةُ الْعَدَاوَةِ وَالتَّفَانِي وَالتَّقَاتُلِ، وَحَالَةٌ أَصْبَحُوا عَلَيْهَا وَهِيَ حَالَةُ الْأُخُوَّةِ وَلَا يُدْرِكُ الْفرق بَين الْحَالَتَيْنِ إِلَّا مَنْ كَانُوا فِي السُّوأَى فَأَصْبَحُوا فِي الْحُسْنَى، وَالنَّاسُ إِذَا كَانُوا فِي حَالَةِ بُؤْسٍ وَضَنْكٍ وَاعْتَادُوهَا صَارَ الشَّقَاءُ دَأْبَهَمْ، وَذَلَّتْ لَهُ نُفُوسُهُمْ فَلَمْ يَشْعُرُوا بِمَا هُمْ فِيهِ، وَلَا يتفظّنوا لِوَخِيمِ عَوَاقِبِهِ، حتّى إِذا هيّىء لَهُمُ الصَّلَاحُ، وَأَخَذَ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِمُ اسْتَفَاقُوا مِنْ شَقْوَتِهِمْ، وَعَلِمُوا سُوءَ حَالَتِهِمْ، وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى جَمَعَتْ لَهُمْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الِامْتِنَانِ بَيْنَ ذِكْرِ الْحَالَتَيْنِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَقَالَتْ: إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً
وَقَوْلُهُ: بِنِعْمَتِهِ الْبَاءُ فِيهِ لِلْمُلَابَسَةِ بِمَعْنَى (مَعَ) أَيْ أَصْبَحْتُمْ إِخْوَانًا مصاحبين نعْمَة من اللَّهِ وَهِيَ نِعْمَةُ الْأُخُوَّةِ، كَقَوْلِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عُتْبَةَ اللِّهْبِيِّ:
كُلٌّ لَهُ نِيَّةٌ فِي بُغْضِ صَاحِبِهِ ... بِنِعْمَةِ اللَّهِ نَقْلِيكُمْ وَتَقْلُونَا
وَقَوْلُهُ: وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها عَطْفٌ عَلَى كُنْتُمْ أَعْداءً فَهُوَ نِعْمَةٌ أُخْرَى وَهِيَ نِعْمَةُ الْإِنْقَاذِ مِنْ حَالَةٍ أُخْرَى بَئِيسَةٍ وَهِيَ حَالَةُ الْإِشْرَافِ عَلَى الْمُهْلِكَاتِ.
وَالشَّفَا مِثْلُ الشَّفَةِ هُوَ حَرْفُ الْقَلِيبِ وَطَرَفِهِ، وَأَلِفُهُ مُبْدَلَةٌ مِنْ وَاوٍ. وَأَمَّا وَاوُ شَفَةٍ فَقَدْ حُذِفَتْ وَعُوِّضَتْ عَنْهَا الْهَاءُ مِثْلُ سَنَةٍ وَعِزَةٍ إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوهُ عَلَى شَفَوَاتٍ وَلَا على شفين بَلْ قَالُوا شِفَاهٌ كَأَنَّهُمُ اعْتَدُّوا بِالْهَاءِ كَالْأَصْلِ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 34
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست