responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 295
وَمِنْ غَرِيبِ الِاتِّفَاقِ أَنَّ أَسْمَاءَ أَعْضَاءِ الْعَائِلَةِ لَمْ تَجْرِ عَلَى قِيَاسٍ مِثْلَ أَبٍ، إِذْ كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ، وَأَخٍ، وَابْنٍ، وَابْنَةٍ، وَأَحْسَبُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَثَرِ أَنَّهَا مِنَ اللُّغَةِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا الْبَشَرُ قَبْلَ تَهْذِيبِ اللُّغَةِ، ثُمَّ تَطَوَّرَتِ اللُّغَةُ عَلَيْهَا وَهِيَ هِيَ. وَالْمُرَادُ مِنَ الْأُمَّهَاتِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا الدُّنْيَا وَمَا فَوْقَهَا، وَهَؤُلَاءِ الْمُحَرَّمَاتُ مِنَ النَّسَبِ، وَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيمَ مَنْ ذَكَرَهُنَّ، وَقَدْ كُنَّ مُحَرَّمَاتٍ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي جَاهِلِيَّتِهَا، تَأْكِيدًا لِذَلِكَ التَّحْرِيمِ وَتَغْلِيظًا لَهُ، إِذْ قَدِ اسْتَقَرَّ ذَلِكَ فِي النَّاسِ مِنْ قَبْلُ، فَقَدْ قَالُوا مَا كَانَتِ الْأُمُّ حَلَالًا لِابْنِهَا قَطُّ مِنْ عَهْدِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَتِ الْأُخْتُ التَّوْأَمَةُ حَرَامًا وَغَيْرُ التَّوْأَمَةِ حَلَالًا، ثُمَّ حَرَّمَ اللَّهُ الْأَخَوَاتِ مُطْلَقًا مِنْ عَهْدِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ حُرِّمَتْ بَنَاتُ الْأَخِ، وَيُوجَدُ تَحْرِيمُهُنَّ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبَقِيَ بَنَاتُ الْأُخْتِ حَلَالًا فِي شَرِيعَةِ مُوسَى، وَثَبَتَ تَحْرِيمُهُنَّ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي جَاهِلِيَّتِهَا فِيمَا رَوَى ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ الْمَذْكُورَاتِ هُنَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ، إِلَّا امْرَأَةَ الْأَبِ، وَالْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ. وَمِثْلُهُ نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ زِيَادَةِ تَوْجِيهِ ذِكْرِ الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ:
إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ فِي هَذَيْنِ خَاصَّةً، وَأَحْسَبُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ تَوْطِئَةٌ لِتَأْوِيلِ الِاسْتِثْنَاء فِي قَول إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: إِلَّا مَا سَلَفَ مِنْكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْكُمْ فِيهِ، كَمَا سَيَأْتِي، وَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ فَقَدْ ذُكِرَ فِيهِنَّ تَحْرِيمُ الرَّبَائِبِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَلَا أَحْسَبُهُنَّ كُنَّ مُحَرَّمَاتٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ قَدْ نَوَّهَتْ بِبَيَانِ الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، فَغَرَسَتْ لَهَا فِي النُّفُوسِ وَقَارًا يُنَزَّهُ عَنْ شَوَائِبِ الِاسْتِعْمَالِ فِي اللَّهْوِ وَالرَّفَثِ، إِذِ الزَّوَاجُ، وَإِنْ كَانَ غَرَضًا صَالِحًا بِاعْتِبَارِ غَايَتِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُفَارِقُ الْخَاطِرَ الْأَوَّلَ الْبَاعِثَ عَلَيْهِ، وَهُوَ خَاطِرُ اللَّهْوِ وَالتَّلَذُّذِ.
فَوَقَارُ الْوِلَادَةِ، أَصْلًا وَفَرْعًا، مَانِعٌ مِنْ مُحَاوَلَةِ اللَّهْوِ بِالْوَالِدَةِ أَوِ الْمَوْلُودَةِ، وَلِذَلِكَ اتَّفَقَتِ الشَّرَائِعُ عَلَى تَحْرِيمه، ثمَّ تَلا حق ذَلِكَ فِي بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَبَنَاتِ الْأَخَوَاتِ، وَكَيْفَ يَسْرِي الْوَقَارُ إِلَى فَرْعِ الْأَخَوَاتِ وَلَا يَثْبُتُ لِلْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 295
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست