responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 28
عَلَى حَادِثَةٍ حَدَثَتْ وَأَنَّ لِنُزُولِهَا سَبَبًا.
وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَدْ تَخَاذَلُوا وَتَحَارَبُوا حَتَّى تَفَانَوْا، وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ وَآخِرُهَا يَوْمُ بُعَاثٍ الَّتِي انْتَهَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا عَلَى الْإِسْلَامِ زَالَتْ تِلْكَ الْأَحْقَادُ مِنْ بَيْنِهِمْ وَأَصْبَحُوا عُدَّةً لِلْإِسْلَامِ، فَسَاءَ ذَلِكَ يَهُودَ يَثْرِبَ فَقَامَ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ الْيَهُودِيُّ، وَهُوَ شَيْخٌ قَدِيمٌ مِنْهُمْ، فَجَلَسَ إِلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، أَوْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِمْ يُذَكِّرُهُمْ حُرُوبَ بُعَاثٍ، فَكَادُوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَنَادَى كُلُّ فَرِيقٍ: يَا لَلْأَوْسِ! وَيَا لَلْخَزْرَجِ! وَأَخَذُوا السِّلَاحَ، فَجَاءَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بَيْنَهُمْ وَقَالَ: أَتَدْعُونَ الْجَاهِلِيَّةَ- وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟! وَفِي رِوَايَةٍ: أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟! أَيْ أَتَدْعُونَ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ- وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ
، فَمَا فَرَغَ مِنْهَا حَتَّى أَلْقَوُا السِّلَاحَ، وَعَانَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: مَا كَانَ طَالِعٌ أَكْرَهَ إِلَيْنَا مِنْ طُلُوعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَصْلَحَ اللَّهُ بَيْنَنَا
مَا كَانَ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا أَقْبَحَ وَلَا أَوْحَشَ أَوَّلًا وَأَحْسَنَ آخِرًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَأَصْلُ الرَّدِّ الصَّرْفُ وَالْإِرْجَاعُ قَالَ تَعَالَى: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ [الْحَج:
5] وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِتَغَيُّرِ الْحَالِ بَعْدَ الْمُخَالَطَةِ فَيُفِيدُ مَعْنَى التَّصْيِيرِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ، فِيمَا أَنْشَدَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ:
فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بِيضًا ... وَرَدَّ وُجُوهَهُنَّ الْبِيضَ سُودًا
وكافِرِينَ مَفْعُولُهُ الثَّانِي، وَقَوْلُهُ بَعْدَ إِيمانِكُمْ تَأْكِيدٌ لِمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ يَرُدُّوكُمْ وَالْقَصْدُ من التّصريح بِهِ تَوْضِيحُ فَوَاتِ نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ كَانُوا فِيهَا لَوْ يَكْفُرُونَ.
وَقَوْلُهُ: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ اسْتِفْهَامٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الِاسْتِبْعَادِ استبعادا لكفرهم ونفيا لَهُ، كَقَوْلِ جَرِيرٍ:
كَيْفَ الْهِجَاءُ وَمَا تَنْفَكُّ صَالِحَةٌ ... مِنْ آلِ لَأْمٍ بِظَهْرِ الْغَيْبِ تَأْتِينِي

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 28
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست