responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 240
قُوَّةِ النَّمَاءِ الطَّبِيعِيِّ بِ بَلَغُوا النِّكاحَ، فَأُسْنِدَ الْبُلُوغُ إِلَى ذَوَاتِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ يَدْعُو الرَّجُلَ لِلتَّزَوُّجِ وَيَدْعُو أَوْلِيَاءَ الْبِنْتِ لِتَزْوِيجِهَا، فَهُوَ الْبُلُوغُ الْمُتَعَارَفُ الَّذِي لَا مُتَأَخَّرَ بَعْدَهُ، فَلَا يُشْكَلُ بِأَنَّ النَّاسَ قَدْ يُزَوِّجُونَ بَنَاتِهُمْ قَبْلَ سِنِّ الْبُلُوغِ، وَأَبْنَاءَهُمْ أَيْضًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَجُّلٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ لِأَغْرَاضٍ عَارِضَةٍ، وَلَيْسَ بُلُوغًا مِنَ الْأَبْنَاءِ أَوِ الْبَنَاتِ.
وَقَوْلُهُ: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً شَرْطٌ ثَانٍ مُقَيِّدٌ لِلشَّرْطِ الْأَوَّلِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ إِذا بَلَغُوا. وَهُوَ وَجَوَابُهُ جَوَابُ (إِذا) ، وَلِذَلِكَ قُرِنَ بِالْفَاءِ لِيَكُونَ نَصًّا فِي الْجَوَابِ، وَتَكُونَ (إِذا) نَصًّا فِي الشَّرْطِ، فَإِنَّ جَوَابَ (إِذا) مُسْتَغْنٍ عَنِ الرَّبْطِ بِالْفَاءِ لَوْلَا قَصْدُ التَّنْصِيصِ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ.
وَجَاءَتِ الْآيَةُ عَلَى هَذَا التَّرْكِيبِ لِتَدُلَّ عَلَى أَنَّ انْتِهَاءَ الْحَجْرِ إِلَى الْبُلُوغِ بِالْأَصَالَةِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُعْرَفَ مِنَ الْمَحْجُورِ الرُّشْدُ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَطْعٌ لِمَعَاذِيرِ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ أَنْ يُمْسِكُوا أَمْوَالَ مَحَاجِيرِهِمْ عِنْدَهُمْ مُدَّةً لِزِيَادَةِ التَّمَتُّعِ بِهَا.
وَيَتَحَصَّلُ مِنْ مَعْنَى اجْتِمَاعِ الشَّرْطَيْنِ فِي الْكَلَامِ هُنَا، إِذْ كَانَ بِدُونِ عَطْفٍ ظَاهِرٍ أَوْ مُقَدَّرٍ بِالْقَرِينَةِ، أَنَّ مَجْمُوعَهُمَا سَبَبٌ لِتَسْلِيمِ الْمَالِ إِلَى الْمَحْجُورِ، فَلَا يَكْفِي حُصُولُ أَحَدِهِمَا وَلَا نَظَرَ إِلَى الَّذِي يَحْصُلُ مِنْهُمَا ابْتِدَاءً، وَهِيَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ فِي كُلِّ جُمْلَةِ شَرْطٍ بُنِيَتْ عَلَى جُمْلَةِ شَرْطٍ آخَرَ، فَلَا دَلَالَةَ لَهُمَا إِلَّا عَلَى لُزُومِ حُصُولِ الْأَمْرَيْنِ فِي مَشْرُوطٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى هَذَا جَرَى قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ تَرْتِيبَ
الشَّرْطَيْنِ يُفِيدُ كَوْنَ الثَّانِي مِنْهُمَا فِي الذِّكْرِ هُوَ الْأَوَّلُ فِي الْحُصُولِ. وَنَسَبَهُ الزَّجَّاجِيُّ فِي كِتَابِ «الْأَذْكَارِ» إِلَى ثَعْلَبٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَقَالَ بِهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: الْبَغَوِيُّ، وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ تَرْتِيبَ الشَّرْطَيْنِ فِي الْحُصُولِ يَكُونُ عَلَى نَحْوِ تَرْتِيبِهِمَا فِي اللَّفْظِ، وَنَسَبَهُ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى الْقَفَّالِ، وَالْقَاضِي الْحُسَيْنِ، وَالْغَزَالِيِّ فِي «الْوَجِيزِ» ، وَالْإِمَامِ الرَّازِّيِّ فِي «النِّهَايَةِ» ، وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ فُرُوعًا فِي تَعْلِيقِ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ فِي الْإِيمَانِ، وَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ الْحَقُّ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُهَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ، وَلَا يَظْهَرُ أَثَرٌ لِلْخِلَافِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 240
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست