responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 220
بِمَعْنَى عَيِّنُوا لَهُمْ حُقُوقَهُمْ، وَلِيَكُونَ هَذَا الْأَمْرُ وَمَا يُذْكَرُ بَعْدَهُ تَأْسِيسَاتِ أَحْكَامٍ، لَا تَأْكِيدَ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، أَوْ تَقْيِيدَ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ. وَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : «يُرَادُ بِإِيتَائِهِمْ أَمْوَالَهُمْ أَنْ لَا يَطْمَعَ فِيهَا الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَوْصِيَاءُ وَوُلَاةُ السُّوءِ وَقُضَاتِهِ وَيَكُفُّوا عَنْهَا أَيْدِيَهُمُ الْخَاطِفَةَ حَتَّى تَأْتِيَ الْيَتَامَى إِذَا بَلَغُوا سَالِمَةً» فَهُوَ تَأْوِيلٌ لِلْإِيتَاءِ بِلَازِمَةٍ وَهُوَ الْحِفْظُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْإِيتَاءُ كِنَايَةً بِإِطْلَاقِ اللَّازِمِ وَإِرَادَةِ الْمَلْزُومِ، أَو مجَاز بالمئال إِذِ الْحِفْظُ يُؤَوَّلُ إِلَى الْإِيتَاءِ، وَعَلِيهِ فَيَكُونُ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ. وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَالْمُرَادُ هُنَا الْأَمْرُ بِحِفْظِ حُقُوقِ الْيَتَامَى مِنَ الْإِضَاعَةِ لَا تَسْلِيمُ الْمَالِ إِلَيْهِمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ إِذْ سَيَجِيءُ فِي قَوْلِهِ: وَابْتَلُوا الْيَتامى [النِّسَاء: 6] الْآيَةَ. وَلَنَا أَنْ نُؤَوِّلَ الْيَتَامَى بِالَّذِينَ جَاوَزُوا حَدَّ الْيُتْمِ وَيَبْقَى الْإِيتَاءُ بِمَعْنَى الدَّفْعِ، وَيَكُونُ التَّعْبِيرُ عَنْهُمْ بِالْيَتَامَى لِلْإِشَارَةِ إِلَى وُجُوبِ دَفْعِ أَمْوَالِهِمْ إِلَيْهِمْ فِي فَوْرِ خُرُوجِهِمْ مِنْ حَدِّ الْيَتِيمِ، أَوْ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ وَيَكُونُ هَذَا الْإِطْلَاقُ مُقَيَّدًا بِقَوْلِهِ الْآتِي: حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ [النِّسَاء: 6] .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: الْيَتِيمُ يُطْلَقُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مَعْنَى الِانْفِرَادِ أَيِ انْفِرَادِهِ عَنْ أَبِيهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ جُمُودٌ عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّ الِانْفِرَادَ حَقِيقِيٌّ وَإِنَّمَا وُضِعَ اللَّفْظُ لِلِانْفِرَادِ الْمَجَازِيِّ، وَهُوَ انْعِدَامُ الْأَبِ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَةَ بَقَاءِ الْوَلَدِ مُنْفَرِدًا وَمَا هُوَ بِمُنْفَرِدٍ فَإِنَّ لَهُ أُمًّا وَقَوْمًا.
قِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنْ غَطَفَانَ كَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ فِي حِجْرِهِ، فَلَمَّا بَلَغَ طَلَبَ مَالَهُ، فَمَنَعَهُ عَمُّهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَرَدَّ الْمَالَ لِابْنِ أَخِيهِ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ.
وَقَوْلُهُ: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ أَيْ لَا تَأْخُذُوا الْخَبِيثَ وَتُعْطُوا الطَّيِّبَ.
وَالْقَوْلُ فِي تَعْدِيَةِ فِعْلِ تَبَدَّلَ وَنَظَائِرِهِ مَضَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَة فالبقرة [61] قَالَ:
أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَعَلَى مَا تَقَرَّرَ هُنَاكَ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْخَبِيثُ هُوَ
الْمَأْخُوذَ، وَالطَّيِّبُ هُوَ الْمَتْرُوكَ.
وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ أُرِيدَ بِهِمَا الْوَصْفُ الْمَعْنَوِيُّ دُونَ الْحِسِّيِّ، وَهُمَا اسْتِعَارَتَانِ فَالْخَبِيثُ الْمَذْمُومُ أَوِ الْحَرَامُ، وَالطَّيِّبُ عَكْسُهُ وَهُوَ الْحَلَالُ: وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً فِي الْبَقَرَةِ [168] . فَالْمَعْنَى: وَلَا تَكْسِبُوا الْمَالَ الْحَرَامَ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 220
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست