responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 216
يُتَّقَى، وَلِأَنَّ فِي مَعَانِي هَذِهِ الصِّلَاتِ زِيَادَةَ تَحْقِيقِ اتِّصَالِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، إِذِ الْكُلُّ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ خَلْقُهُمْ مَا حَصَلَ إِلَّا مِنْ زَوْجَيْنِ فَكُلُّ أَصْلٍ مِنْ أُصُولِهِمْ يَنْتَمِي إِلَى أَصْلٍ فَوْقَهُ.
وَقَدْ حَصَلَ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الصِّلَاتِ تَفْصِيلٌ لِكَيْفِيَّةِ خَلْقِ اللَّهِ النَّاسَ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ.
وَجَاءَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا النَّظْمِ تَوْفِيَةً بِمُقْتَضَى الْحَالِ الدَّاعِي لِلْإِتْيَانِ بِاسْمِ الْمَوْصُولِ، وَمُقْتَضَى الْحَالِ الدَّاعِي لِتَفْصِيلِ حَالَةِ الْخَلْقِ الْعَجِيبِ. وَلَوْ غُيِّرَ هَذَا الْأُسْلُوبُ فَجِيءَ بِالصُّورَةِ الْمُفَصَّلَةِ دُونَ سَبْقِ إِجْمَالٍ، فَقِيلَ: الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَبَثَّ مِنْهَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً لَفَاتَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْحَالَةِ الْعَجِيبَةِ. وَقَدْ
وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعِ آدَمَ
، فَلِذَلِكَ يَكُونُ حَرْفُ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: وَخَلَقَ مِنْها لِلِابْتِدَاءِ، أَيْ أَخْرَجَ خَلْقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلَعِ آدَمَ. وَالزَّوْجُ هُنَا أُرِيدَ بِهِ الْأُنْثَى الْأُولَى الَّتِي تَنَاسَلَ مِنْهَا الْبَشَرُ، وَهِيَ حَوَّاءُ. وَأُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُ الزَّوْجِ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ مُنْفَرِدًا فَإِذَا اتَّخَذَ امْرَأَةً فَقَدْ صَارَا زَوْجًا
فِي بَيْتٍ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَوْجٌ لِلْآخَرِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ لَفْظِ الزَّوْجِ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى مَجْمُوعِ الْفَرْدَيْنِ، فَإِطْلَاقُ الزَّوْجِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ تَسَامُحٌ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً، وَلِذَلِكَ اسْتَوَى فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ لِأَنَّهُ مِنَ الْوَصْفِ بِالْجَامِدِ، فَلَا يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ (زَوْجَةٌ) ، وَلَمْ يُسْمَعْ فِي فَصِيحِ الْكَلَامِ، وَلِذَلِكَ عَدَّهُ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ لَحْنًا. وَكَانَ الْأَصْمَعِيُّ يُنْكِرُهُ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ قيل لَهُ: فقد قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَذُو زَوْجَةٍ بِالْمِصْرِ أَمْ ذُو خُصُومَةٍ ... أَرَاكَ لَهَا بِالْبَصْرَةِ الْعَامَ ثَاوِيَا

فَقَالَ: إِنَّ ذَا الرُّمَّةِ طَالَمَا أَكَلَ الْمَالِحَ وَالْبَقْلَ فِي حَوَانِيتِ الْبَقَّالِينَ، يُرِيدُ أَنَّهُ مُوَلَّدٌ.
وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وَإِنَّ الَّذِي يَسْعَى لِيُفْسِدَ زَوْجَتِي ... كَسَاعٍ إِلَى أَسَدِ الشَّرَى يَسْتَبِيلُهَا
وَشَاعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ، قَصَدُوا بِهِ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَحْكَامِ، وَهِيَ تَفْرِقَةٌ حَسَنَةٌ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقُلْنا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 216
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست