responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 204
وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ لَيْسَ هَذَا تَعْلِيلًا لِمَضْمُونِ قَوْلِهِ: مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِلتَّسَاوِي فِي الْأَخْبَارِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِضَمَائِرِ الْمُخَاطَبِينَ أَيْ أَنْتُمْ فِي عِنَايَتِي بِأَعْمَالِكُمْ سَوَاءٌ، وَهُوَ قَضَاءٌ لِحَقِّ مَا لَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْمُتَسَاوِينَ فِيهَا، لِيَكُونَ تَمْهِيدًا لِبِسَاطِ تَمْيِيزِ الْمُهَاجِرِينَ بِفَضْلِ الْهِجْرَةِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ: فَالَّذِينَ هاجَرُوا، الْآيَاتِ.
وَقَوْلُهُ: فَالَّذِينَ هاجَرُوا تَفْرِيعٌ عَنْ قَوْلِهِ: لَا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ وَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِلِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ الْخَاصِّ، وَاشْتَمَلَ عَلَى بَيَانِ مَا تَفَاضَلُوا فِيهِ مِنَ الْعَمَلِ، وَهُوَ الْهِجْرَةُ الَّتِي فَازَ بِهَا الْمُهَاجِرُونَ.
وَالْمُهَاجَرَةُ: هِيَ تَرْكُ الْمَوْطِنِ بِقَصْدِ اسْتِيطَانِ غَيْرِهِ، وَالْمُفَاعَلَةُ فِيهَا لِلتَّقْوِيَةِ كَأَنَّهُ هَجَرَ قَوْمَهُ وَهَجَرُوهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْرِصُوا عَلَى بَقَائِهِ، وَهَذَا أَصْلُ الْمُهَاجَرَةِ أَنْ تَكُونَ لِمُنَافَرَةٍ وَنَحْوِهَا، وَهِيَ تَصْدُقُ بِهِجْرَةِ الَّذِينَ هَاجَرُوا إِلَى بِلَادِ الْحَبَشَةِ وَبِهِجْرَةِ الَّذِينَ هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَعُطِفَ قَوْلُهُ: وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ عَلَى هاجَرُوا لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْمُفَاعَلَةِ فِي هَاجَرَ أَيْ هَاجَرُوا مُهَاجِرَةً لَزَّهُمْ إِلَيْهَا قَوْمُهُمْ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِخْرَاجُ بِصَرِيحِ الْقَوْلِ أَمْ بِالْإِلْجَاءِ، مِنْ جِهَةِ سُوءِ الْمُعَامَلَةِ، وَلَقَدْ هَاجَرَ الْمُسْلِمُونَ الْهِجْرَةَ الْأُولَى إِلَى الْحَبَشَة لما
لَا قوه مِنْ سُوءِ مُعَامَلَةِ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِجْرَتَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْتَحَقَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ، لِمَا لَاقَوْهُ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ. وَلَا يُوجَدُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَخْرَجُوا الْمُسْلِمِينَ، وَكَيْفَ وَاخْتِفَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ خُرُوجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ يَدُلُّ عَلَى حِرْصِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى صَدِّهِ عَنِ الْخُرُوجِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ كَعْبٍ:
فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ ... بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا
أَيْ قَالَ قَائِلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ اخْرُجُوا مِنْ مَكَّةَ، وَعَلَيْهِ فَكُلُّ مَا وَرَدَ مِمَّا فِيهِ أَنَّهُمْ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ الْإِلْجَاءُ إِلَى الْخُرُوجِ، وَمِنْهُ قَوْلُ وَرَقَةَ ابْن نَوْفَلٍ:
«يَا لَيْتَنِي أَكُونُ مَعَكَ إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ» ،
وَقَوْلُ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ: «أَو مخرجيّ هُمْ؟ فَقَالَ: مَا جَاءَ نَبِيءٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 204
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست