responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 198
وَمَعْنَى مَا خَلَقْتَ هَذَا باطِلًا أَيْ خَلْقًا بَاطِلًا، أَوْ مَا خَلَقْتَ هَذَا فِي حَالِ أَنَّهُ بَاطِلٌ، فَهِيَ حَالٌ لَازِمَةُ الذِّكْرِ فِي النَّفْيِ وَإِنْ كَانَتْ فَضْلَةً فِي الْإِثْبَاتِ، كَقَوْلِهِ: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ [الدُّخان: 38] فَالْمَقْصُودُ نَفْيُ عَقَائِدِ مَنْ يُفْضِي اعْتِقَادُهُمْ إِلَى أَنَّ هَذَا الْخَلْقَ بَاطِلٌ أَوْ خُلِّيَ عَنِ الْحِكْمَةِ، وَالْعَرَبُ تَبْنِي صِيغَةَ النَّفْيِ عَلَى اعْتِبَارِ سَبْقِ الْإِثْبَاتِ كَثِيرًا.
وَجِيءَ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ فِي حِكَايَةِ قَوْلِهِمْ: فَقِنا عَذابَ النَّارِ لِأَنَّهُ تَرَتَّبَ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّ هَذَا الْخَلْقَ حَقٌّ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْحَقِّ أَنْ لَا يَسْتَوِيَ الصَّالِحُ وَالطَّالِحُ، وَالْمُطِيعُ وَالْعَاصِي، فَعَلِمُوا أَنَّ لِكُلٍّ مُسْتَقَرًّا مُنَاسِبًا فَسَأَلُوا أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ الْمُجَنَّبِينَ عَذَابَ النَّارِ.
وَقَوْلُهُمْ: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ مَسُوقٌ مَسَاقُ التَّعْلِيلِ لِسُؤَالِ الْوِقَايَةِ مِنَ النَّار، كَمَا توذن بِهِ (إِنَّ) الْمُسْتَعْمَلَةُ لِإِرَادَةِ الِاهْتِمَامِ إِذْ لَا مَقَامَ لِلتَّأْكِيدِ هُنَا. وَالْخِزْيُ مَصْدَرُ خَزِيَ يَخْزَى بِمَعْنَى ذَلَّ وَهَانَ بِمَرْأًى مِنَ النَّاسِ، وَأَخْزَاهُ أذلّه على رُؤُوس الْأَشْهَادِ، وَوَجْهُ تَعْلِيلِ طَلَبِ الْوِقَايَةِ مِنَ النَّارِ بِأَنَّ دُخُولَهَا خِزْيٌ بَعْدَ الْإِشَارَة إِلَى مُوجب ذَلِكَ الطَّلَبِ بِقَوْلِهِمْ: عَذابَ النَّارِ أَنَّ النَّارَ مَعَ مَا فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ فِيهَا قَهْرٌ لِلْمُعَذَّبِ وَإِهَانَةٌ عَلَنِيَّةٌ، وَذَلِكَ مَعْنًى مُسْتَقِرٌّ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، وَمِنْهُ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ [بالشعراء: 87] وَذَلِكَ لِظُهُورِ وَجْهِ الرَّبْطِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، أَيْ مَنْ يَدْخُلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ. وَالْخِزْيُ لَا تُطِيقُهُ الْأَنْفُسُ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَأْوِيلٍ تَأَوَّلُوهُ عَلَى مَعْنَى فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ
خِزْيًا عَظِيمًا. وَنَظَّرَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» بِقَوْلِ رُعَاةِ الْعَرَبِ: «مَنْ أَدْرَكَ مَرْعَى الصَّمَّانِ فَقَدْ أَدْرَكَ» أَيْ فَقَدْ أدْرك مرعى مخصبا لِئَلَّا يَكُونَ مَعْنَى الْجَزَاءِ ضَرُورِيَّ الْحُصُولِ مِنَ الشَّرْطِ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةٌ لِلتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ، لِأَنَّهُ يُخَلِّي الْكَلَامَ عَنِ الْفَائِدَةِ حِينَئِذٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ [آل عمرَان: 185] .
وَلِأَجْلِ هَذَا أَعْقَبُوهُ بِمَا فِي الطِّبَاعِ التَّفَادِي بِهِ عَنِ الْخِزْيِ وَالْمَذَلَّةِ بِالْهَرَعِ إِلَى أَحْلَافِهِمْ وَأَنْصَارِهِمْ، فَعَلِمُوا أَنْ لَا نَصِيرَ فِي الْآخِرَةِ لِلظَّالِمِ فَزَادُوا بِذَلِكَ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 198
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست