responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 192
فِيهِ إِلَى مُبَادَرَتِهِمْ بِالنَّبْذِ عَقِبَ الْوَقْتِ الَّذِي تحقّق فِيهِ أثر أَخْذُ الْمِيثَاقِ، وَهُوَ وَقْتُ تَأَهُّلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ لِتَبْيِينِ الْكِتَابِ وَإِعْلَانِهِ فَهُوَ إِذَا أَنِسَ مِنْ نَفْسِهِ الْمَقْدِرَةَ عَلَى فَهْمِ الْكِتَابِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مَعَانِيهِ بَادَرَ بِاتِّخَاذِ تِلْكَ الْمَقْدِرَةَ وَسِيلَةً لِسُوءِ التَّأْوِيلِ وَالتَّحْرِيفِ وَالْكِتْمَانِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ مُسْتَعْمَلَةً فِي لَازِمِ التَّعْقِيبِ، وَهُوَ شِدَّةُ الْمُسَارَعَةِ لِذَلِكَ عِنْدَ اقْتِضَاءِ الْحَالِ إِيَّاهُ وَالِاهْتِمَامِ بِهِ وَصَرْفِ الْفِكْرَةِ فِيهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّعْقِيبُ بِحَسَبِ الْحَوَادِث الَّتِي أساؤوا فِيهَا التَّأْوِيلَ وَاشْتَرَوْا بِهَا الثَّمَنَ الْقَلِيلَ، لِأَنَّ الْمِيثَاقَ لَمَّا كَانَ عَامًّا كَانَتْ كُلُّ جُزْئِيَّةٍ مَأْخُوذًا عَلَيْهَا الْمِيثَاقُ، فَالْجُزْئِيَّةُ الَّتِي لَمْ يَعْمَلُوا فِيهَا بِالْمِيثَاقِ يَكُونُ فِيهَا تَعْقِيبُ مِيثَاقِهَا بِالنَّبْذِ وَالِاشْتِرَاءِ.
وَالنَّبْذُ: الطَّرْحُ وَالْإِلْقَاءُ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِعَدَمِ الْعَمَلِ بِالْعَهْدِ تَشْبِيهًا لِلْعَهْدِ بِالشَّيْءِ الْمَنْبُوذِ فِي عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ.
وَوَرَاءُ الظُّهُورِ هُنَا تَمْثِيلٌ لِلْإِضَاعَةِ وَالْإِهْمَالِ، لِأَنَّ شَأْنَ الشَّيْءِ الْمُهْتَمِّ بِهِ الْمُتَنَافَسِ فِيهِ أَنْ يُجْعَلَ نُصْبَ الْعَيْنِ وَيُحْرَسَ وَيُشَاهَدَ. قَالَ تَعَالَى: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطّور: 48] . وَشَأْنُ الشَّيْءِ الْمَرْغُوبِ عَنْهُ أَنْ يُسْتَدْبَرَ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَفِي هَذَا التَّمْثِيلِ تَرْشِيحٌ لِاسْتِعَارَةِ النَّبْذِ لِإِخْلَافِ الْعَهْدِ.
وَالضَّمِيرَانِ: الْمَنْصُوبُ وَالْمَجْرُورُ، يَجُوزُ عَوْدُهُمَا إِلَى الْمِيثَاقِ أَيِ اسْتَخَفُّوا بِعَهْدِ اللَّهِ
وَعَوَّضُوهُ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُمْ أَهْمَلُوا مَا وَاثَقُوا عَلَيْهِ مِنْ تَبْيِينِ الْكِتَابِ وَعَدَمُ كِتْمَانِهِ، وَيَجُوزُ عَوْدُهُمَا إِلَى الْكِتَابِ أَيْ أَهْمَلُوا الْكِتَابَ وَلَمْ يَعْتَنُوا بِهِ، وَالْمُرَادُ إِهْمَالُ أَحْكَامِهِ وَتَعْوِيضُ إِقَامَتِهَا بِنَفْعٍ قَلِيلٍ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نَوْعَيِ الْإِهْمَالِ، وَهُمَا إِهْمَالُ آيَاتِهِ وَإِهْمَالُ مَعَانِيهِ.
وَالِاشْتِرَاءُ هُنَا مَجَازٌ فِي الْمُبَادَلَةِ وَالثَّمَنِ الْقَلِيلِ، وَهُوَ مَا يَأْخُذُونَهُ مِنَ الرُّشَى وَالْجَوَائِزِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالظُّلْمِ مِنَ الرُّؤَسَاءِ وَالْعَامَّةِ عَلَى تَأْيِيدِ الْمَظَالِمِ وَالْمَفَاسِدِ بِالتَّأْوِيلَاتِ الْبَاطِلَةِ، وَتَأْوِيلُ كُلِّ حُكْمٍ فِيهِ ضَرْبٌ عَلَى أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ وَالظَّلَمَةِ بِمَا يُطْلِقُ أَيْدِيَهُمْ فِي ظُلْمِ الرَّعِيَّةِ مِنْ ضُرُوبِ التَّأْوِيلَاتِ الْبَاطِلَةِ، وَتَحْذِيرَاتِ الَّذِينَ يَصْدَعُونَ بِتَغْيِيرِ الْمُنْكِرِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ فِي أَهْلِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 192
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست