responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 19
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ حَمَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً أَنَّهُ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَمْرِ بِتَأْمِينِ دَاخِلِهِ مِنْ أَنْ يُصَابَ بِأَذًى، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَالشَّعْبِيِّ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّائِرُونَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي مَحْمَلِ الْعَمَلِ بِهَذَا الْأَمْرِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ:
هَذَا حُكْمٌ نُسِخَ يَعْنُونَ نَسَخَتْهُ الْأَدِلَّةُ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا. رَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ، أنّه قَالَ لعَمْرو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ- أَيْ لِحَرْبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ-: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ: إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ لَا يحلّ لامرىء يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يُعْضَدَ بِهَا شَجَرَةٌ. فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ:
إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» . قَالَ: فَقَالَ لِي عَمْرٌو: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ (الْخَرْبَةُ- بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ- الْجِنَايَةُ وَالْبَلِيَّةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى النَّاسِ) وَبِمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِأَنْ يُقْتَلَ ابْنُ خَطَلٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: إِنَّ مَنْ أَصَابَ جِنَايَةً فِي الْحَرَمِ أَوْ خَارِجَهُ ثُمَّ عَاذَ بِالْحَرَمِ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْحَرَمِ وَيُقَادُ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ الْأَرْبَعَةُ: لَا يُقْتَصُّ فِي الْحَرَمِ مِنَ اللَّاجِئِ إِلَيْهِ من خَارجه مَا دَامَ فِيهِ ولكنّه لَا يُبَايَعُ وَلَا يُؤَاكَلُ وَلَا يُجَالَسُ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ. وَيَرْوُونَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَمَنْ ذَكَرْنَاهُ مَعَهُمَا آنِفًا.
وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ الْفَرَسِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: «مَنْ كَانَ خَائِفًا مِنَ الِاحْتِيَالِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِآمِنٍ وَلَا تَجُوزُ إِذَايَتُهُ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ مُكَالَمَتِهِ» .

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 19
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست