responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 188
تَسُرَّ الْكَافِرِينَ، وَأَبْطَلَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ مَقَالَ الْمُنَافِقِينَ بِقَوْلِهِ: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ [آل عمرَان: 154] وَبِقَوْلِهِ: الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا [آل عمرَان: 168] إِلَى قَوْله: قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [آل عمرَان: 168] خَتَمَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِمَا هُوَ جَامِعٌ لِلْغَرَضَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ وَالْحُزْنَ إِنَّمَا نَشَآ عَلَى مَوْتِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنْ خِيرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي أَنَّ الْمَوْتَ لَمَّا كَانَ غَايَةَ كُلِّ حَيٍّ فَلَوْ لَمْ يَمُوتُوا الْيَوْمَ لَمَاتُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا تَأْسَفُوا عَلَى مَوْتِ قَتْلَاكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا يَفْتِنْكُمُ الْمُنَافِقُونَ بِذَلِكَ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ قَصْرَ قَلْبٍ لِتَنْزِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْحُزْنِ عَلَى قَتْلَاهُمْ وَعَلَى هَزِيمَتِهِمْ، مَنْزِلَةَ مَنْ لَا يَتَرَقَّبُ مِنْ عَمَلِهِ إِلَّا مَنَافِعَ الدُّنْيَا وَهُوَ النَّصْرُ وَالْغَنِيمَةُ، مَعَ أَنَّ نِهَايَةَ الْأَجْرِ فِي نَعِيمِ الْآخِرَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ أَيْ تُكْمَلُ لَكُمْ، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ، بِأَنَّهُمْ قَدْ حَصَلَتْ لَهُمْ أُجُورٌ عَظِيمَةٌ فِي الدُّنْيَا عَلَى تَأْيِيدِهِمْ لِلدِّينِ: مِنْهَا النَّصْرُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَمِنْهَا كَفُّ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ عَنْهُمْ فِي أَيَّامِ مَقَامِهِمْ بِمَكَّةَ إِلَى أَنْ تَمَكَّنُوا مِنَ الْهِجْرَةِ.
وَالذَّوْقُ هُنَا أُطْلِقَ عَلَى وِجْدَانِ الْمَوْتِ، تَقَدَّمَ بَيَانُ اسْتِعْمَالِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ آنِفًا: وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ [آل عمرَان: 181] وَشَاعَ إِطْلَاقُهُ عَلَى حُصُولِ الْمَوْتِ، قَالَ تَعَالَى: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ [الدُّخان: 56] وَيُقَالُ ذَاقَ طَعْمَ الْمَوْتِ.
وَالتَّوْفِيَةُ: إِعْطَاءُ الشَّيْءِ وَافِيًا. وَيُطْلِقُهَا الْفُقَهَاءُ عَلَى مُطْلَقِ الْإِعْطَاءِ وَالتَّسْلِيمِ، وَالْأُجُورُ جَمْعُ الْأَجْرِ بِمَعْنَى الثَّوَابِ، وَوَجْهُ جَمْعِهِ مُرَاعَاةُ أَنْوَاعِ الْأَعْمَالِ. وَيَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمُ الْحَشْرِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقُومُ فِيهِ النَّاسُ مِنْ خُمُودِ الْمَوْتِ إِلَى نُهُوضِ الْحَيَاةِ.
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ زُحْزِحَ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ، وَمَعْنَى: زُحْزِحَ أُبْعِدَ. وَحَقِيقَةُ فِعْلِ زُحْزِحَ أَنَّهَا جَذْبٌ بِسُرْعَةٍ، وَهُوَ مُضَاعَفُ زَحَّهُ عَنِ الْمَكَانِ إِذَا جَذَبَهُ بِعَجَلَةٍ.
وَإِنَّمَا جُمِعَ بَيْنَ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ، مَعَ أَنَّ فِي الثَّانِي غُنْيَةً عَنِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 188
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست