responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 156
مُصْحَفَهُ لِيَحْرِقَهُ بَعْدَ أَنِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْمُصْحَفِ الَّذِي كُتِبَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ
الْقِيامَةِ
وَإِنِّي غَالٌّ مُصْحَفِي فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَغُلَّ مُصْحَفَهُ فَلْيَفْعَلْ. وَلَا أَثِقُ بِصِحَّةِ هَذَا الْخَبَرِ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنَ الْغُلُولِ.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ تَنْبِيهٌ عَلَى الْعُقُوبَةِ بَعْدَ التَّفْضِيحِ، إِذْ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ مَسُوقٌ مَسَاقُ النَّهْيِ، وَجِيءَ بِ (ثُمَّ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى طُولِ مُهْلَةِ التَّفْضِيحِ، وَمِنْ جُمْلَةِ النُّفُوسِ الَّتِي تُوَفَّى مَا كَسَبَتْ نَفْسُ مَنْ يَغْلُلْ، فَقَدْ دَخَلَ فِي الْعُمُومِ.
وَجُمْلَةُ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا وَهِيَ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ.
وَالْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْغُلُولِ وَهُوَ أَخْذُ شَيْءٍ مِنَ الْمَغْنَمِ بِغَيْرِ إِذْنِ أَمِيرِ الْجَيْشِ، وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ مِثْلُ السَّرِقَةِ، وَأَصَحُّ مَا فِي الْغُلُولِ
حَدِيثُ «الْمُوَطَّأِ» : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَجَعَ مِنْ خَيْبَرَ قَاصِدًا وَادِيَ الْقُرَى وَكَانَ لَهُ عَبْدٌ أَسْوَدُ يُدْعَى مِدْعَمًا، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْغَنَائِمِ لَمْ تَصُبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا»
. وَمَنْ غَلَّ فِي الْمَغْنَمِ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا غَلَّهُ وَيُؤَدَّبُ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا قَطْعَ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ، هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ: يُحْرَقُ مَتَاعُ الْغَالِّ كُلُّهُ عَدَا سِلَاحَهُ وَسَرْجَهُ، وَيُرَدُّ مَا غَلَّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثٍ
رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وَجَدْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ غَلَّ فَاحْرِقُوا مَتَاعَهُ وَاضْرِبُوهُ»
وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا- يَعْنِي الْبُخَارِيَّ- عَنْهُ فَقَالَ: «إِنَّمَا رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ قَوَاعِدَ الشَّرِيعَةِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَأْوِيلِهِ فَالْأَخْذُ بِهِ إِغْرَاقٌ فِي التَّعَلُّقِ بِالظَّوَاهِرِ وَلَيْسَ مِنَ التَّفَقُّهِ فِي شَيْء.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 156
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست