responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 153
عَلَى قَدْرِ سَعَةِ التَّفْكِيرِ الْجَائِلِ فِي ذَلِكَ، فَفِي هَذَا الْخَبَرِ الْعَظِيمِ إِطْلَاقٌ لِلْأَفْكَارِ مِنْ عِقَالِهَا، وَزَجٌّ بِهَا فِي مَسَارِحِ الْعِبَرِ، وَمَرَاكِضِ الْعِظَاتِ، وَالسَّابِقُونَ الْجِيَادُ، فَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ وَهُوَ الْحَضُّ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ مَوْقِعِ هَذَا الِاسْتِئْنَافِ عَقِبَ مَا تَقَدَّمَهُ: لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ خَاطَبَهُمْ بِفُنُونِ الْمَلَامِ وَالْمَعْذِرَةِ وَالتَّسْلِيَةِ مِنْ قَوْلِهِ: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ [آل عمرَان: 137] إِلَى هُنَا، جَمَعَ لَهُمْ كُلَّ ذَلِكَ فِي كَلَامٍ جَامِعٍ نَافِعٍ فِي تَلَقِّي الْمَاضِي، وَصَالِحٍ لِلْعَمَلِ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ مَبْنِيًّا عَلَى تَنْزِيلِ الْعَالِمِ مَنْزِلَةَ الْجَاهِلِ، حَيْثُ أَظْهَرُوا مِنَ الْحِرْصِ عَلَى الْغَنِيمَةِ وَمِنَ التَّأَوُّلِ فِي أَمْرِ الرَّسُولِ لَهُمْ فِي الثَّبَاتِ، وَمِنَ التَّلَهُّفِ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْهَزِيمَةِ وَالْقَتْلِ وَالْجَرْحِ، مَا جَعَلَ حَالَهُمْ كَحَالِ مَنْ يَجْهَلُ أَنَّ النَّصْرَ وَالْخَذْلَ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى. فَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ.
وَالنَّصْرُ: الْإِعَانَةُ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْ غَلَبِ الْعَدُوِّ وَمُرِيدِ الْإِضْرَارِ.
وَالْخِذْلَانُ ضِدُّهُ: وَهُوَ إِمْسَاكُ الْإِعَانَةِ مَعَ الْقُدْرَة، مَأْخُوذ مِنْ خَذَلَتِ الْوَحْشِيَّةُ إِذَا تَخَلَّفَتْ عَنِ الْقَطِيعِ لِأَجْلِ عَجْزِ وَلَدِهَا عَنِ الْمَشْيِ.
وَمَعْنَى إِنْ يَنْصُرْكُمُ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ إِنْ يُرِدْ هَذَا لَكُمْ، وَإِلَّا لَمَا اسْتَقَامَ جَوَابُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ فَلا غالِبَ لَكُمْ إِذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَرْتِيبِ عَدَمِ الْغَلَبِ عَلَى حُصُولِ النَّصْرِ بِالْفِعْلِ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ نَفْيِ الْجِنْسِ فِي قَوْلِهِ: فَلا غالِبَ لَكُمْ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْمَعْلُومِ، كَمَا تَقُولُ: إِنْ قُمْتَ فَأَنْتَ لَسْتَ بِقَاعِدٍ. وَأَمَّا فِعْلُ الشَّرْطِ الثَّانِي وَهُوَ:
وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَيُقَدَّرُ كَذَلِكَ حَمْلًا عَلَى نَظِيرِهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى بِدُونِ تَأْوِيلٍ فِيهِ.
وَهَذَا مِنَ اسْتِعْمَالِ الْفِعْلِ فِي مَعْنَى إِرَادَةِ الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [الْمَائِدَة: 6] الْآيَةَ.
وَجَعْلُ الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ: فَلا غالِبَ لَكُمْ دُونَ أَنْ يَقُولَ: لَا تُغْلَبُوا، لِلتَّنْصِيصِ عَلَى التَّعْمِيمِ فِي الْجَوَابِ، لِأَنَّ عُمُومَ تَرَتُّبِ الْجَزَاءِ عَلَى الشَّرْطِ أَغْلَبِيٌّ وَقَدْ يَكُونُ جُزْئِيًّا أَيْ لَا تُغْلَبُوا مِنْ بَعْضِ الْمُغَالِبِينَ، فَأُرِيدَ بِإِفَادَةِ التَّعْمِيمِ دَفْعُ التَّوَهُّمِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ إِنْكَارِيٌّ أَيْ فَلَا يَنْصُرُكُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 153
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست