responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 151
إِذَا هَمَّ أَلْقَى بَيْنَ عَيْنَيْهِ عَزْمَهُ ... وَنَكَّبَ عَنْ ذِكْرِ الْعَوَاقِبِ جَانِبَا

وَلَمْ يَسْتَشِرْ فِي أَمْرِهِ غَيْرَ نَفْسِهِ ... وَلَمْ يَرْضَ إِلَّا قَائِمَ السَّيْفِ صَاحِبَا
وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي الشُّورَى قَوْلُ بَشَّارِ بْنِ بُرْدٍ:
إِذَا بَلَغَ الرَّأْيُ الْمَشُورَةَ فَاسْتَعِنْ ... بِحَزْمِ نَصِيحٍ أَوْ نَصِيحَةِ حَازِمِ

وَلَا تَحْسَبِ الشُّورَى عَلَيْكَ غَضَاضَةً ... مَكَانُ الْخَوَافِي قُوَّةٌ لِلْقَوَادِمِ
وَهِيَ أَبْيَاتٌ كَثِيرَةٌ مُثْبَتَةٌ فِي كُتُبِ الْأَدَبِ.
وَقَوْلُهُ: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ الْعَزْمُ هُوَ تَصْمِيمُ الرَّأْيِ عَلَى الْفِعْلِ وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ (عَزَمْتَ) لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَيْهِ التَّفْرِيعُ عَنْ قَوْلِهِ: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَالتَّقْدِيرُ: فَإِذَا عَزَمْتَ عَلَى الْأَمْرِ. وَقَدْ ظَهَرَ مِنَ التَّفْرِيعِ أَنَّ الْمُرَادَ: فَإِذَا عَزَمْتَ بَعْدَ الشُّورَى أَيْ تَبَيَّنَ لَكَ وَجْهُ السَّدَادِ فِيمَا يَجِبُ أَنْ تَسْلُكَهُ فَعَزَمْتَ عَلَى تَنْفِيذِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَفْقِ بَعْضِ آرَاءِ أَهْلِ الشُّورَى أَمْ كَانَ رَأْيًا آخَرَ لَاحَ لِلرَّسُولِ سَدَادُهُ فَقَدْ يَخْرُجُ مِنْ آرَاءِ أَهْلِ الشُّورَى رَأْيٌ، وَفِي
الْمَثَلِ: «مَا بَيْنَ الرَّأْيَيْنِ رَأْيٌ» .
وَقَوْلُهُ: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ التَّوَكُّلُ حَقِيقَتُهُ الِاعْتِمَادُ، وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ فِي الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ مَعَ رَجَاءِ السَّدَادِ فِيهِ مِنَ اللَّهِ، وَهُوَ شَأْنُ أَهْلِ الْإِيمَانِ، فَالتَّوَكُّلُ انْفِعَالٌ قَلْبِيٌّ عَقْلِيٌّ يَتَوَجَّهُ بِهِ الْفَاعِلُ إِلَى اللَّهِ رَاجِيًا الْإِعَانَةَ وَمُسْتَعِيذًا مِنَ الْخَيْبَةِ وَالْعَوَائِقِ، وَرُبَّمَا رَافَقَهُ قَوْلٌ لِسَانِيٌّ وَهُوَ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ. وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَابِ إِذَا، وَفَرْعٌ عَنْهُ، وَالتَّقْدِيرُ: فَإِذَا عَزَمْتَ فَبَادِرْ وَلَا تَتَأَخَّرْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، لِأَنَّ لِلتَّأَخُّرِ آفَاتٍ، وَالتَّرَدُّدُ يُضَيِّعُ الْأَوْقَاتِ، وَلَوْ كَانَ التَّوَكُّلُ هُوَ جَوَابُ إِذَا لَمَا كَانَ لِلشُّورَى فَائِدَةٌ لِأَنَّ الشُّورَى كَمَا عَلِمْتَ لِقَصْدِ اسْتِظْهَارِ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ لِحُصُولِ الْفِعْلِ الْمَرْغُوبِ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ وَأَقْرَبِهِ، فَإِنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا الْعَمَلُ بِمَا يَتَّضِحُ مِنْهَا، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ حُصُولَ التَّوَكُّلِ مِنْ أَوَّلِ خُطُورِ الْخَاطِرِ، لَمَا كَانَ لِلْأَمْرِ بِالشُّورَى مِنْ فَائِدَةٍ. وَهَذِهِ الْآيَةُ أَوْضَحُ آيَةٍ فِي الْإِرْشَادِ إِلَى مَعْنَى التَّوَكُّلِ الَّذِي حَرَّفَ الْقَاصِرُونَ وَمَنْ كَانَ عَلَى شَاكِلَتِهِمْ مَعْنَاهُ، فَأَفْسَدُوا هَذَا الدِّينَ مِنْ مَبْنَاهُ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 151
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست