responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 14
أَوْ تَأْوِيلِ النَّاسِ، أَوْ تَأْوِيلِ نَظْمِ الْآيَةِ، وَالَّذِي أَرَاهُ فِي التَّأْوِيلِ أَنَّ الْقُرْآنَ كِتَابُ دِينٍ وَهُدًى، فَلَيْسَ غَرَضُ الْكَلَامِ فِيهِ ضَبْطَ أَوَائِلِ التَّارِيخِ، وَلَكِنْ أَوَائِلُ أَسْبَابِ الْهُدَى، فَالْأَوَّلِيَّةُ فِي الْآيَةِ عَلَى بَابِهَا، وَالْبَيْتُ كَذَلِكَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتِ عِبَادَةٍ حَقَّةٍ وُضِعَ لِإِعْلَانِ التَّوْحِيدِ، بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ، وَبِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وُضِعَ لِلنَّاسِ الْمُقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ وَضْعِ وَاضِعٍ لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْتَ سُكْنَى لَقِيلَ وَضَعَهُ النَّاسُ، وَبِقَرِينَةِ مَجِيءِ الْحَالَيْنِ بَعْدُ وَهُمَا قَوْلُهُ: مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ. وَهَذَا تَأْوِيلٌ فِي مَعْنَى بَيْتٍ، وَإِذَا كَانَ أَوَّلَ بَيْتِ عِبَادَةٍ حَقٍّ، كَانَ أَوَّلَ مَعْهَدٍ لِلْهُدَى، فَكَانَ كلّ هدى مقتسبا مِنْهُ فَلَا مَحِيصَ لِكُلِّ قَوْمٍ كَانُوا عَلَى هُدًى مِنَ الِاعْتِرَافِ بِهِ وَبِفَضْلِهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ اتِّبَاعَ الْمِلَّةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى أُسُسِ مِلَّةِ بَانِيهِ، وَهَذَا المفاد من تَفْرِيع قَوْلِهِ: فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [الْبَقَرَة: 95] .
وَتَأَوَّلَ الْآيَةَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ،
فَرَوَى عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ: أَهُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ؟ قَالَ: «لَا، قَدْ كَانَ قَبْلَهُ بُيُوتٌ، وَلَكِنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ مُبَارَكًا وَهُدًى»
فَجَعَلَ مُبَارَكًا وَهُدًى حَالَيْنِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي وُضِعَ لَا مِنِ اسْمِ الْمَوْصُولِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ فِي النَّظْمِ لَا يَنْسَاقُ إِلَيْهِ الذِّهْنُ إِلَّا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الْهُدَى كَمَا قُلْنَا، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ قَوْلَهُ:
وُضِعَ هُوَ الْخَبَرُ لِتَعَيُّنِ أَنَّ الْخَبَرَ هُوَ قَوْلُهُ: لَلَّذِي بِبَكَّةَ بِدَلِيلِ دُخُولِ اللَّامِ عَلَيْهِ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَتِ الْيَهُودُ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ أَفْضَلُ مِنَ الْكَعْبَةِ لِأَنَّهَا مُهَاجَرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: الْكَعْبَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ أَوَّلَ بِأَنَّهُ الْأَوَّلُ مِنْ شَيْئَيْنِ لَا مِنْ جِنْسِ الْبُيُوتِ كُلِّهَا.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الْأَشْرَفَ مَجَازًا.
وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ النَّاسِ الْمَعْهُودِينَ وَهُمْ أَهْلُ الْكُتُبِ أَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمُسْلِمِينَ، وَكُلُّهُمْ يَعْتَرِفُ بِأَصَالَةِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فَأَوَّلُ مَعْبَدٍ بِإِجْمَاعِهِمْ هُوَ الْكَعْبَةُ فَيَلْزَمُهُمُ الِاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ أَفْضُلُ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ بُيُوتِ عِبَادَتِهِمْ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 14
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست