responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 132
وَفِي هَذَا الْوَجْهِ بُعْدٌ: لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ مَلَامٍ لَا تَوْبِيخٍ، وَمَقَامُ لَا تَنْدِيمٍ. وَإِمَّا مُشَاكَلَةٌ تَقْدِيرِيَّةٌ لِأَنَّهُمْ لَمَّا خَرَجُوا لِلْحَرْبِ خَرَجُوا طَالِبِينَ الثَّوَابَ، فَسَلَكُوا مَسَالِكَ بَاءُوا مَعَهَا بِعِقَابٍ فَيَكُونُ كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:
أَخَافُ زِيَادًا أَنْ يَكُونَ عَطَاؤُهُ ... أَدَاهِمَ سُودًا أَوْ مُحَدْرَجَةً سُمْرَا (1)
وَقَوْلِ الْآخَرِ:
قُلْتُ: اطْبُخُوا لِي جُبَّةً قَمِيصًا.
وَنُكْتَةُ هَذِهِ الْمُشَاكَلَةِ أَنْ يُتَوَصَّلَ بِهَا إِلَى الْكَلَامِ عَلَى مَا نَشَأَ عَنْ هَذَا الْغَمِّ مِنْ عِبْرَة، وَمن توجّه عِنَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِمْ بَعْدَهُ.
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِغَمٍّ لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ غَمًّا مَعَ غَمٍّ، وَهُوَ جُمْلَةُ الْغُمُومِ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ خَيْبَةِ الْأَمَلِ فِي النَّصْرِ بَعْدَ ظُهُورِ بَوَارِقِهِ، وَمِنَ الِانْهِزَامِ، وَمِنْ قَتْلِ مَنْ قُتِلَ، وَجَرْحِ مَنْ جُرِحَ، وَيَجُوزُ كَوْنُ الْبَاءِ لِلْعِوَضِ، أَيْ: جَازَاكُمُ اللَّهُ غَمًّا فِي نُفُوسِكُمْ عِوَضًا عَنِ الْغَمِّ الَّذِي نَسَبْتُمْ فِيهِ لِلرَّسُولِ وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فَأَثابَكُمْ عَائِدًا إِلَى الرَّسُولِ فِي قَوْلِهِ: وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ، وَفِيهِ بُعْدٌ، فَالْإِثَابَةُ مَجَازٌ فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِ الْجَمِيلِ بِمِثْلِهِ أَيْ جَازَاكُمْ بِغَمٍّ. وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِغَمٍّ بَاءُ الْعِوَضِ. وَالْغَمُّ الْأَوَّلُ غَمُّ نَفْسِ الرَّسُولِ، وَالْغَمُّ الثَّانِي غَمُّ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الرَّسُولَ اغْتَمَّ وَحَزِنَ لِمَا أَصَابَكُمْ، كَمَا اغْتَمَمْتُمْ لِمَا شَاعَ مِنْ قَتْلِهِ فَكَانَ غمّه لأجلكم جزاءا عَلَى غَمِّكُمْ لِأَجْلِهِ.
وَقَوْلُهُ: لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى مَا فاتَكُمْ تَعْلِيلٌ أَوَّلُ لِ (أَثَابَكُمْ) أَيْ أَلْهَاكُمْ بِذَلِكَ الْغَمِّ لِئَلَّا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ، فَهُوَ أَنْسَاهُمْ بِمُصِيبَةٍ صَغِيرَةٍ مُصِيبَةً كَبِيرَةً، وَقِيلَ: (لَا) زَائِدَةٌ وَالْمَعْنَى: لِتَحْزَنُوا، فَيَكُونُ زِيَادَةً فِي التَّوْبِيخِ
وَالتَّنْدِيمِ إِنْ كَانَ قَوْله: فَأَثابَكُمْ تَهَكُّمًا أَوِ الْمَعْنَى فَأَثَابَكُمُ

(1) محدرجة بحاء مُهْملَة وبجيم بعد الرَّاء أَي مفتولة: وَهُوَ صفة لموصوف مَحْذُوف أَرَادَ أسواطا.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 132
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست