responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 106
وَالِاسْتِفْهَامُ الْمُقَدَّرُ بَعْدَ (أَمْ) مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّغْلِيطِ وَالنَّهْيِ، وَلذَلِك جَاءَ ب (أم) لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّغْلِيطِ: أَيْ لَا تَحْسَبُوا أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ دُونَ أَنْ تُجَاهِدُوا وَتَصْبِرُوا عَلَى عَوَاقِبِ الْجِهَادِ.
وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ من قدّر ل (أم) هُنَا مُعَادِلًا مَحْذُوفًا، وَجَعَلَهَا مُتَّصِلَةً، فَنَقَلَ الْفَخْرُ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: عَادَةُ الْعَرَبِ يَأْتُونَ بِهَذَا الْجِنْسِ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ تَوْكِيدًا لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا [آل عمرَان: 139] كَأَنَّهُ قَالَ: أَفَتَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ كَمَا تُؤْمَرُونَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ.
وَجُمْلَةُ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ إِلَخْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَهِيَ مَصَبُّ الْإِنْكَارِ، أَيْ لَا تَحْسَبُوا أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حِينَ لَا يَعْلَمُ اللَّهُ الّذين جاهدوا.
و (لمّا) حَرْفُ نَفْيٍ أُخْتُ (لَمْ) إِلَّا أَنَّهَا أَشَدُّ نَفْيًا مِنْ (لَمْ) ، لِأَنَّ (لَمْ) لِنَفْيِ قَوْلِ الْقَائِلِ فَعَلَ فُلَانٌ، و (لمّا) لِنَفْيِ قَوْلِهِ قَدْ فَعَلَ فُلَانٌ. قَالَهُ سِيبَوَيْهِ، كَمَا قَالَ: إِنَّ (لَا) لنفي يَفْعَلُ وَ (لَنْ) لِنَفْيِ سَيَفْعَلُ وَ (مَا) لِنَفْيِ لَقَدْ فَعَلَ وَ (لَا) لِنَفْيِ هُوَ يَفْعَلُ. فَتَدُلُّ (لَمَّا) عَلَى اتِّصَالِ النَّفْيِ بِهَا إِلَى زَمَنِ التَّكَلُّمِ، بِخِلَافِ (لَمْ) ، وَمِنْ هَذِهِ الدَّلَالَةِ اسْتُفِيدَتْ دَلَالَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهَا تُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ بِهَا مُتَرَقَّبُ الثُّبُوتِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ قَوْلِكَ اسْتَمَرَّ النَّفْيُ إِلَى الْآنِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ هُنَا فَقَالَ: و (لمّا) بِمَعْنَى (لَمْ) إِلَّا أَنَّ فِيهَا ضَرْبًا مِنَ التَّوَقُّعِ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ [14] :
فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَعْرَابَ آمَنُوا فِيمَا بَعْدُ.
وَالْقَوْلُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَقَدَّمَ آنِفًا فِي الْآيَةِ قَبْلَ هَذِهِ.
وَأُرِيدَ بِحَالَةِ نَفْيِ عِلْمِ اللَّهِ بِالَّذِينَ جَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ الْكِنَايَةُ عَنْ حَالَةِ نَفْيِ الْجِهَادِ وَالصَّبْرِ عَنْهُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ إِذَا عَلِمَ شَيْئًا فَذَلِكَ الْمَعْلُومُ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ فَكَمَا كَنَّى بِعِلْمِ اللَّهِ عَنِ التَّحَقُّقِ فِي قَوْلِهِ: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمرَان: 140] كَنَّى بِنَفْيِ الْعِلْمِ عَنْ نَفْيِ الْوُقُوعِ. وَشَرْطُ الْكِنَايَةِ هُنَا مُتَوَفِّرٌ وَهُوَ جَوَازُ إِرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَلْزُومِ مَعَ الْمَعْنَى اللَّازِمِ لِجَوَازِ إِرَادَةِ انْتِفَاءِ عِلْمِ اللَّهِ بِجِهَادِهِمْ مَعَ إِرَادَةِ انْتِفَاءِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 106
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست