responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 99
إِلَى أَنَّهَا دَلَالَةٌ مِنْ مُسْتَتْبَعَاتِ التَّرَاكِيبِ لِأَنَّهَا دَلَالَةٌ عَقْلِيَّةٌ لَا تَحْتَاجُ إِلَى عَلَاقَةٍ وَقَرِينَةٍ، كَدَلَالَةِ الْمَجَازِ وَالِاسْتِعَارَةِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى عِدَّةٍ مِنْ مَعَانِيهِ جَمِيعًا أَوْ بَعْضًا إِطْلَاقًا لُغَوِيًّا، فَقَالَ قَوْمٌ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْحَقِيقَةِ وَنُسِبَ إِلَى الشَّافِعِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَجُمْهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ.
وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الْمَجَازُ وَجَزَمَ ابْنُ الْحَاجِبِ مُرَادُ الْبَاقِلَّانِيِّ مِنْ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ «التَّقْرِيبِ وَالْإِرْشَادِ» إِنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى إِلَّا بِقَرِينَةٍ، فَفَهِمَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ الْقَرِينَةَ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ هِيَ الْقَرِينَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ إِرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهِيَ لَا تُتَصَوَّرُ فِي مَوْضُوعِنَا إِذْ مَعَانِي الْمُشْتَرَكُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْحَقِيقَة وَإِلَّا لاقتضت حَقِيقَةُ الْمُشْتَرَكِ فَارْتَفَعَ الْمَوْضُوعُ مِنْ أَصْلِهِ. وَإِنَّمَا سَهَا أَصْحَابُ هَذَا الرَّأْيِ عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَ قَرِينَةِ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ وَقَرِينَةِ إِطْلَاقِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى عِدَّةٍ مِنْ مَعَانِيهِ، فَإِنَّ قَرِينَةَ الْمَجَازِ مَانِعَةٌ مِنْ إِرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَقَرِينَةَ الْمُشْتَرَكِ مُعَيِّنَةٌ لِلْمَعَانِي الْمُرَادَةُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا.
وَثَمَّةَ قَوْلٌ آخَرُ لَا يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا نَذْكُرُهُ اسْتِيعَابًا لِآرَاءِ النَّاظِرِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ صِحَّةُ إِطْلَاقِ الْمُشْتَرِكِ عَلَى مَعَانِيهِ فِي النَّفْيِ وَعَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ فِي الْإِيجَابِ، وَنُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ إِلَى بُرْهَانِ، عَلِيٍّ الْمَرْغِينَانِيِّ الْفَقِيهِ الْحَنَفِيِّ صَاحِبِ كِتَابِ «الْهِدَايَةِ» فِي الْفِقْهِ، وَمَثَارُهُ- فِي مَا أَحْسَبُ- اشْتِبَاهُ دَلَالَةِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعَانِيهِ بِدَلَالَةِ النَّكِرَةِ الْكُلِّيَّةِ عَلَى أَفْرَادِهَا حَيْثُ تُفِيدُ الْعُمُومَ إِذَا وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَلَا تُفِيدُهُ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ.
وَالَّذِي يَجِبُ اعْتِمَادُهُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُشْتَرَكُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ مِنَ الْمَعَانِي، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ اللَّفْظُ الْمُفْرَدُ الْمُشْتَرَكُ، وَالتَّرْكِيبُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الِاسْتِعْمَالَاتِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْمَعَانِي حَقِيقِيَّةً أَوْ مَجَازِيَّةُ، مَحْضَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً. مِثَالُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ [الْحَج: 18] فَالسُّجُودُ لَهُ مَعْنًى حَقِيقِيٌّ وَهُوَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَمَعْنًى مَجَازِيٌّ وَهُوَ التَّعْظِيمُ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَ فِعْلُ يَسْجُدُ هُنَا فِي مَعْنَيَيْهِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا مَحَالَةَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ [الممتحنة: 2] فَبَسْطُ الْأَيْدِي حَقِيقَةٌ فِي مَدِّهَا لِلضَّرْبِ وَالسَّلْبِ، وَبَسْطُ الْأَلْسِنَةِ مَجَازٌ فِي عَدَمِ إِمْسَاكِهَا عَنِ الْقَوْلِ الْبَذِيءِ،

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 99
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست