responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 95
كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ

[الْأَنْفَال: 24] ؟» ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْنَى الْمَسُوقَةَ فِيهِ الْآيَةُ هُوَ الِاسْتِجَابَةُ بِمَعْنَى الِامْتِثَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ
اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ
[آل عمرَان: 172] ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الدَّعْوَةِ الْهِدَايَةُ كَقَوْلِهِ: يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمرَان: 104] ، وَقَدْ تَعَلَّقَ فِعْلُ دَعاكُمْ بِقَوْلِهِ لِما يُحْيِيكُمْ أَيْ لِمَا فِيهِ صَلَاحُكُمْ، غَيْرَ أَنَّ لَفْظَ الِاسْتِجَابَةِ لَمَّا كَانَ صَالِحًا لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَيْضًا وَهُوَ إِجَابَةُ النِّدَاءِ حَمَلَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَةَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَقَامِ الصَّالِحِ لَهُ، بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْمُتَعَلِّقِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لِما يُحْيِيكُمْ وَكَذَلِكَ
قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ

[الْأَنْبِيَاء: 104] إِنَّمَا هُوَ تَشْبِيهُ الْخَلْقِ الثَّانِي بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ لِدَفْعِ اسْتِبْعَادِ الْبَعْثِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ق: 15] وَقَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الرّوم: 27] ، فَذَلِكَ مَوْرِدُ التَّشْبِيهِ، غَيْرَ أَنَّ التَّشْبِيهَ لَمَّا كَانَ صَالِحًا لِلْحَمْلِ عَلَى تَمَامِ الْمُشَابَهَةِ أَعْلَمَنَا النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ مُرَادٌ مِنْهُ، بِأَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ شَامِلًا لِلتَّجَرُّدِ مِنَ الثِّيَابِ وَالنِّعَالِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التَّوْبَة: 80] فَقَدْ قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَمَّا قَالَ لَهُ لَا تُصَلِّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ ابْن أُبَيِّ بن سَلُولَ فَإِنَّهُ مُنَافِقٌ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ عَنْ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِلْمُنَافِقِينَ،
فَقَالَ النَّبِيءُ: «خَيَّرَنِي رَبِّي وَسَأَزِيدُ عَلَى السَّبْعِينَ»
فَحَمَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ [التَّوْبَة: 80] عَلَى التَّخْيِيرِ مَعَ أَنَّ ظَاهَرَهُ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّسْوِيَةِ، وَحَمَلَ اسْمَ الْعَدَدِ عَلَى دَلَالَتِهِ الصَّرِيحَةِ دُونَ كَوْنِهِ كِنَايَةً عَنِ الْكَثْرَةِ كَمَا هُوَ قَرِينَةُ السِّيَاقِ لَمَّا كَانَ الْأَمْرُ وَاسْمُ الْعَدَدِ صَالِحَيْنِ لِمَا حَمَلَهُمَا عَلَيْهِ فَكَانَ الْحَمْلُ تَأْوِيلًا نَاشِئًا عَنِ الِاحْتِيَاطِ. وَمِنْ هَذَا قَول النبيء لِأَن كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ مُعَيْطٍ حِينَ جَاءَتْ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَرَأَ النَّبِيءُ قَوْلَهُ تَعَالَى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الْأَنْعَام: 95] فَاسْتَعْمَلَهُ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ هُوَ غَيْرُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ الَّذِي سِيقَ إِلَيْهِ، وَمَا أَرَى سُجُودَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاضِعِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَاجِعًا إِلَى هَذَا الْأَصْلِ فَإِنْ كَانَ فَهْمًا مِنْهُ رَجَعَ إِلَى مَا شَرَحْنَا تَأْصِيلَهُ، وَإِنْ كَانَ وَحْيًا كَانَ أَقْوَى حُجَّةً فِي إِرَادَةِ اللَّهِ مِنْ أَلْفَاظِ كِتَابِهِ مَا تَحْتَمِلُهُ أَلْفَاظُهُ مِمَّا لَا يُنَافِي أَغْرَاضَهُ.
وَكَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ عَن أَصْحَاب النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِثْلَ مَا رُوِيَ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 95
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست