responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 90
وَالْحُرُوفِ، وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ- بَيْنَهُمْ فِي تَعْيِينِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ خِلَافٌ لَيْسَ بِكَثِيرٍ، وَأَنَّ تَرْتِيبَ الْمُصْحَفِ تَخَلَّلَتْ فِيهِ السُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ وَالْمَدَنِيَّةُ. وَأَمَّا تَرْتِيبُ نُزُولِ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَنُزُولِ السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، إِحْدَاهَا رِوَايَةُ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالثَّانِيَةُ رِوَايَةُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالثَّالِثَةُ لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَلَا يَكُونُ إِلَّا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهِيَ الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْجَعْبَرِيُّ فِي مَنْظُومَتِهِ الَّتِي سَمَّاهَا «تَقْرِيبَ الْمَأْمُولِ فِي تَرْتِيبِ النُّزُولِ» وَذَكَرَهَا السُّيُوطِيُّ فِي «الْإِتْقَانِ» وَهِيَ الَّتِي جَرَيْنَا عَلَيْهَا فِي تَفْسِيرِنَا هَذَا.
وَأَمَّا أَسْمَاءُ السُّوَرِ فَقَدْ جُعِلَتْ لَهَا مِنْ عَهْدِ نُزُولِ الْوَحْيِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَسْمِيَتِهَا تَيْسِيرُ الْمُرَاجَعَةِ وَالْمُذَاكَرَةِ. وَقَدْ دَلَّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذُكِرَ آنِفًا أَنَّ
النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا نَزَلَتِ الْآيَةُ: «ضَعُوهَا فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا»
، فَسُورَةُ الْبَقَرَةِ مثلا كَانَت تلقب بِالسُّورَةِ الَّتِي تُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ. وَفَائِدَةُ التَّسْمِيَةِ أَنْ تَكُونَ بِمَا يُمَيِّزُ السُّورَةَ عَنْ غَيْرِهَا.
وَأَصْلُ أَسْمَاءِ السُّوَرِ أَنْ تَكُونَ بِالْوَصْفِ كَقَوْلِهِمُ السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا، ثُمَّ شَاعَ فَحَذَفُوا الْمَوْصُولَ وَعَوَّضُوا عَنْهُ الْإِضَافَةَ فَقَالُوا سُورَةُ ذِكْرِ الْبَقَرَةِ مَثَلًا، ثُمَّ حَذَفُوا الْمُضَافَ وَأَقَامُوا الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ فَقَالُوا سُورَةُ الْبَقَرَةِ. أَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقَدِّرُوا مُضَافًا وَأَضَافُوا السُّورَةَ لِمَا يُذْكَرُ فِيهَا لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
«لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ الْبَقَرَةِ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ النَّجْمَ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ سَجَدَ بِالنَّجْمِ. وَمَا
رُوِيَ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «لَا تَقُولُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَلَا سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ وَلَا سُورَةَ النِّسَاءِ وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ وَلَكِنْ قُولُوا السُّورَةَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ- وَكَذَا الْقُرْآنَ كُلُّهُ»
، فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَذَكَرُهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي «الْمَوْضُوعَاتِ» ، وَلَكِنَّ ابْنَ حَجَرٍ أَثْبَتَ صِحَّتَهُ. وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَا يرفعهُ إِلَى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي «شُعَبِ الْإِيمَانِ» ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ يَمْنَعُ مَنْ يَقُولُ سُورَةُ كَذَا وَيَقُولُ قُلِ السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا، وَالَّذِينَ صَحَّحُوا حَدِيثَ أَنَسٍ تَأَوَّلُوهُ وَتَأَوَّلُوا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَكَّةَ حِينَ كَانَ الْمُسلمُونَ إِذا قَالُوا: سُورَةَ الْفِيلِ وَسُورَةَ الْعَنْكَبُوتِ مَثَلًا هَزَأَ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذَا سَبَبُ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الْحجر: 95] فَلَمَّا هَاجَرَ
الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ زَالَ سَبَبُ النَّهْيِ فَنُسِخَ، وَقَدْ عَلِمَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مَعْنَى التَّسْمِيَةِ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 90
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست