responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 79
تَرْتِيب الْآي وَأَمَّا تَرْتِيبُ الْآيِ بَعْضِهَا عَقِبَ بَعْضٍ فَهُوَ بِتَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَبَ نُزُولِ الْوَحْيِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ مُنَجَّمًا آيَاتٍ فَرُبَّمَا نَزَلَتْ عِدَّةُ آيَاتٍ مُتَتَابِعَةٍ أَوْ سُورَةٍ كَامِلَةٍ، كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا، وَذَلِكَ التَّرْتِيبُ مِمَّا يَدْخُلُ فِي وُجُوهِ إِعْجَازِهِ مِنْ بَدَاعَةِ أُسْلُوبِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُقَدِّمَةِ الْعَاشِرَةِ، فَلِذَلِكَ كَانَ تَرْتِيبُ آيَاتِ السُّورَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى مَا بَلَغَتْنَا عَلَيْهِ مُتَعَيِّنًا بِحَيْثُ لَوْ غُيِّرَ عَنْهُ إِلَى تَرْتِيبٍ آخر لنزل عَن حَدِّ الْإِعْجَازِ الَّذِي امْتَازَ بِهِ، فَلَمْ تَخْتَلِفْ قِرَاءَةُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَرْتِيبِ آيِ السُّوَرِ عَلَى نَحْوِ مَا هُوَ فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ، وَهُوَ مَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَة الْحَافِظ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ الْعَرْضَاتِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي كَانَ يَقْرَأُ بِهَا النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَاخِرِ سِنِيِّ حَيَاتِهِ الشَّرِيفَةِ، وَحَسْبُكَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حِينَ كَتَبَ الْمُصْحَفَ لِأَبِي بَكْرٍ لَمْ يُخَالِفْ فِي تَرْتِيبِ آيِ الْقُرْآنِ.
وَعَلَى تَرْتِيبِ قِرَاءَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَوَاتِ الْجَهْرِيَّةِ وَفِي عَدِيدِ الْمُنَاسَبَاتِ حَفِظَ الْقُرْآنَ كُلُّ مَنْ حَفِظَهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، وَلَيْسَ لَهُمْ مُعْتَمَدٌ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا عُرِفُوا بِهِ مِنْ قُوَّةِ الْحَوَافِظِ، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْتَمِدُونَ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ كُتَّابُ الْوَحْيِ يَكْتُبُونَ مَا أُنْزِلَ مِنَ
الْقُرْآنِ بِأَمْرِ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ بِتَوْفِيق إِلَهِيٍّ. وَلَعَلَّ حِكْمَةَ الْأَمْرِ بِالْكِتَابَةِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهَا الْمُسلمُونَ عِنْد مَا يَحْدُثُ لَهُمْ شَكٌّ أَوْ نِسْيَانٌ وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ.
وَلَمَّا جُمِعَ الْقُرْآنُ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ تَرَدَّدُوا فِي تَرْتِيبِ آيَاتٍ مِنْ إِحْدَى السُّوَرِ وَلَا أُثِرَ عَنْهُمْ إِنْكَارٌ أَوِ اخْتِلَافٌ فِيمَا جُمِعَ مِنَ الْقُرْآنِ فَكَانَ مُوَافِقًا لِمَا حَفِظَتْهُ حَوَافِظُهُمْ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: إِنَّمَا أُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى مَا كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ كَانَتِ الْآيَةُ تَنْزِلُ جَوَابًا لِمُسْتَخْبِرٍ يَسْأَلُ وَيُوقِفُ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوْضِعِ الْآيَةِ.
وَاتِّسَاقُ الْحُرُوفِ وَاتِّسَاقُ الْآيَاتِ وَاتِّسَاقُ السُّوَرِ كُلُّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلِهَذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي آيِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ بَين الْآيَة وَلَا حقتها تَنَاسُبٌ فِي الْغَرَضِ أَوْ فِي الِانْتِقَالِ مِنْهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَسَالِيبِ الْكَلَامِ الْمُنْتَظِمِ الْمُتَّصِلِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُودُ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 79
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست