responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 743
عَنِ الْخَطِيئَةِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالِاغْتِسَالُ الَّذِي يَغْتَسِلُهُ الْكَاهِنُ أَيْضًا فِي عِيدِ الْكَفَّارَةِ عَنْ خَطَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي كُلِّ عَامٍ، وَعِنْدَ النَّصَارَى الصِّبْغَةُ أَصْلُهَا التَّطَهُّرُ فِي نَهْرِ الْأُرْدُنِ وَهُوَ اغْتِسَالٌ سَنَّهُ النَّبِيءُ يحيى بن زَكَرِيَّاء لِمَنْ يَتُوبُ مِنَ الذُّنُوبِ فَكَانَ يَحْيَى يَعِظُ بَعْضَ النَّاسِ بِالتَّوْبَةِ فَإِذَا تَابُوا أَتَوْهُ فَيَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يَغْتَسِلُوا فِي نَهْرِ الْأُرْدُنِ رَمَزًا لِلتَّطَهُّرِ الرُّوحَانِيِّ وَكَانُوا يُسَمُّونَ ذَلِكَ «مَعْمُوذِيتَ» بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَبِتَاءٍ فَوْقِيَّةٍ فِي آخِرِهِ وَيَقُولُونَ أَيْضا معموذيتا بِأَلْفٍ بَعْدِ التَّاءِ وَهِيَ كَلِمَةٌ مِنَ اللُّغَةِ الْآرَامِيَّةِ مَعْنَاهَا الطَّهَارَةُ، وَقَدْ عَرَّبَهُ الْعَرَبُ فَقَالُوا مَعْمُودِيَّةَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهَاءُ تَأْنِيثٍ فِي آخِرِهِ وَيَاؤُهُ التَّحْتِيَّةُ مُخَفَّفَةٌ.
وَكَانَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ حِينَ تَعَمَّدَ بِمَاءِ الْمَعْمُودِيَّةِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْوَحْيَ بِالرِّسَالَةِ وَدَعَا الْيَهُودَ إِلَى مَا أَوْحَى اللَّهُ بِهِ إِلَيْهِ وَحَدَثَ كُفْرُ الْيَهُودِ بِمَا جَاءَ بِهِ عِيسَى وَقَدْ آمَنَ بِهِ يَحْيَى فَنَشَأَ
الشِّقَاقُ بَيْنَ الْيَهُودِ وَبَيْنَ يَحْيَى وَعِيسَى فَرَفَضَ الْيَهُودُ التَّعْمِيدَ، وَكَانَ عِيسَى قَدْ عَمَّدَ الْحَوَارِيِّينَ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ، فَتُقُرِّرَ فِي سُنَّةِ النَّصَارَى تَعْمِيدَ مَنْ يَدْخُلُ فِي دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ كَبِيرًا، وَقَدْ تَعَمَّدَ قُسْطَنْطِينُ قَيْصَرُ الرُّومِ حِينَ دَخَلَ فِي دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، أَمَّا مَنْ يُوَلَدُ لِلنَّصَارَى فَيُعَمِّدُونَهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ وِلَادَتِهِ.
وَإِطْلَاقُ اسْمِ الصِّبْغَةِ عَلَى الْمَعْمُودِيَّةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصَارَى الْعَرَبِ سَمُّوا ذَلِكَ الْغَسْلِ صِبْغَةً، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا يُثْبِتُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّاغِبِ أَنَّهُ إِطْلَاقٌ قَدِيمٌ عِنْدَ النَّصَارَى إِذْ قَالَ: «وَكَانَتِ النَّصَارَى إِذَا وُلِدَ لَهُمْ وَلَدٌ غَمَسُوهُ بَعْدَ السَّابِعِ فِي مَاءِ مَعْمُودِيَّةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ صِبْغَةً لَهُمْ» .
أَمَّا وَجْهُ تَسْمِيَةِ الْمَعْمُودِيَّةِ (صِبْغَةً) فَهُوَ خَفِيٌّ إِذْ لَيْسَ لِمَاءِ الْمَعْمُودِيَّةِ لَوْنٌ فَيُطْلَقُ عَلَى التَّلَطُّخِ بِهِ مَادَّةُ ص ب غ وَفِي «دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ» [1] أَنَّ أَصْلَ الْكَلِمَةِ مِنَ الْعِبْرِيَّةِ ص ب ع أَيْ غَطَسَ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَمَّا عُرِّبَ أَبْدَلُوا الْعَيْنَ الْمُهْمَلَةَ غَيْنًا مُعْجَمَةً لَعَلَّهُ لندرة مَادَّة صبع بِالْعَيْنِ الْمُهْمِلَةِ فِي الْمُشْتَقَّاتِ وَأَيًّا مَا كَانَ فَإِطْلَاقُ الصِّبْغَةِ عَلَى مَاءِ الْمَعْمُودِيَّةِ أَوْ عَلَى الِاغْتِسَالِ بِهِ اسْتِعَارَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَشْبِيهٍ وَجْهُهُ تَخْيِيلِيٌّ إِذْ تَخَيَّلُوا أَنَّ التَّعْمِيدَ يُكْسِبُ الْمُعَمَّدَ بِهِ صِفَةَ النَّصْرَانِيَّةِ وَيُلَوِّنُهُ بِلَوْنِهَا كَمَا يُلَوِّنُ الصِّبْغُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَقَرِيبٌ مِنْهُ إِطْلَاقُ الصِّبْغِ عَلَى عَادَةِ الْقَوْمِ وَخُلُقِهِمْ وَأَنْشَدُوا لِبَعْضِ مُلُوكِ هَمْدَانَ:

[1] فِي مَادَّة الصابئة.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 743
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست