responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 725
فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَوْ فِي مَجَازَيْهِ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَعْنَى الْكِنَائِيِّ بِطَرِيقِ الْعَقْلِ بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ الْمَوْضُوعِ لَهُمَا الْحَقِيقِيُّ وَعَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ إِذِ الَّذِينَ رَأَوْا ذَلِكَ مَنَعُوا بِعِلَّةِ أَنَّ قَصْدَ الدَّلَالَةِ بِاللَّفْظِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ يَقْتَضِي عَدَمَ الدَّلَالَةِ بِهِ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَفْظٌ وَاحِدٌ فَإِذَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى تَمَّتْ دَلَالَتُهُ وَأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ الْمَجَازِيَّيْنِ دَلَالَةٌ بِاللَّفْظِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ فَتَقْضِي أَنَّهُ نُقِلَ مِنْ مَدْلُولِهِ الْحَقِيقِيِّ إِلَى مَدْلُولٍ مَجَازِيٍّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ الدَّلَالَةِ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَفْظٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ أَبْطَلْنَا ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ التَّاسِعَةِ، أَمَّا الْمَعْنَى الْكِنَائِيِّ فَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ عَقْلِيَّةٌ سَوَاءٌ بَقِيَ اللَّفْظُ دَالًّا عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ أَمْ تَعَطَّلَتْ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ اسْتِعْمَالَ الِاسْتِفْهَامِ فِي مَعْنَى الْإِنْكَارِ مَجَازًا بِعَلَاقَةِ اللُّزُومِ كَمَا تَكَرَّرَ فِي كُلِّ كِنَايَةٍ لَمْ يَرِدْ فِيهَا الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ مَجَازٌ مَشْهُورٌ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فَقَالَ النُّحَاةُ: الِاسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِيُّ نَفْيٌ وَلِذَا يَجِيءُ بَعْدَهُ الِاسْتِثْنَاءُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى النَّفْيِ وَلَكِنَّهُ يَكْثُرُ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّ شَأْنَ الشَّيْءِ الْمُنْكَرِ بِأَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا وَلِهَذَا فَالِاسْتِثْنَاءُ هُنَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ كَلَامٍ دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ كَأَنَّ مُجِيبًا أَجَابَ السَّائِلَ بِقَوْلِهِ: «لَا يَرْغَبُ عَنْهَا إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ.
وَالرَّغْبَةُ طَلَبُ أَمْرٍ مَحْبُوبٍ، فَحَقُّ فِعْلِهَا أَنْ يَتَعَدَّى بِفِي وَقَدْ يُعَدَّى بِعْنَ إِذَا ضُمِّنَ مَعْنَى الْعُدُولِ عَنْ أَمْرٍ وَكَثُرَ هَذَا التَّضْمِينُ فِي الْكَلَامِ حَتَّى صَارَ مَنْسِيًّا.
وَالْمِلَّةُ الدِّينُ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [الْبَقَرَة: 120] .
وسفه بِمَعْنَى اسْتَخَفَّ لِأَنَّ السَّفَاهَةَ خِفَّةُ الْعَقْلِ وَاضْطِرَابُهُ يُقَالُ تَسَفَّهَهُ اسْتَخَفَّهُ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
مَشِينَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ ... أَعَالِيَهَا مَرُّ الرِّيَاحِ النَّوَاسِمُ
وَمِنْهُ السَّفَاهَةُ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ ارْتِكَابُ أَفْعَالٍ لَا يَرْضَى بِهَا أَهْلُ الْمُرُوءَةِ. وَالسَّفَهِ فِي الْمَالِ وَهُوَ إِضَاعَتُهُ وَقِلَّةُ الْمُبَالَاةِ بِهِ وَسُوءُ تَنْمِيَتِهِ. وَسَفَّهَهُ بِمَعْنَى اسْتَخَفَّهُ وَأَهَانَهُ لِأَنَّ الِاسْتِخْفَافَ يَنْشَأُ عَنْهُ الْإِهَانَةُ وَسَفِهَ صَارَ سَفِيهًا وَقَدْ تَضُمُّ الْفَاءُ فِي هَذَا.
وَانْتِصَابُ نَفْسَهُ إِمَّا عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ أَيْ أَهْمَلَهَا وَاسْتَخَفَّهَا وَلَمْ يُبَالِ بِإِضَاعَتِهَا دُنْيًا وَأُخْرَى وَيَجُوزُ انْتِصَابُهُ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنِ الْفَاعِلِ وَأَصْلُهُ سَفِهَتْ نَفْسُهُ أَيْ خَفَّتْ وَطَاشَتْ فَحُوِّلَ الْإِسْنَادُ إِلَى صَاحِبِ النَّفْسِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ لِلْمُلَابَسَةِ قَصْدًا لِلْمُبَالَغَةِ وَهِيَ أَنَّ السَّفَاهَةَ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 725
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست