responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 711
قَدْ وَضَعَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَوَضَعَ الْحَجَرَ الَّذِي كَانَ يَرْتَفِعُ عَلَيْهِ لِلْبِنَاءِ حَوْلَهَا فَكَانَ الْمُصَلَّى عَلَى الْحَجَرِ الْمُسَمَّى بِالْمَقَامِ فَذَلِكَ يَكُونُ الْمُصَلَّى مُتَّخَذًا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَى كِلَا الْإِطْلَاقَيْنِ.
وَالْقِرَاءَتَانِ تَقْتَضِيَانِ أَنَّ اتِّخَاذَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى كَانَ مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَمْ يَكُنِ الْحَجَرُ الَّذِي اعْتَلَى عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ فِي الْبِنَاءِ مَخْصُوصًا بِصَلَاةٍ عِنْدَهُ وَلَكِنَّهُ مَشْمُولٌ لِلصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ كَانَ عَامُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَوْ عَامُ الْفَتْحِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثُمَّ سُنَّتِ الصَّلَاةُ عِنْدَ الْمَقَامِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ. رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ:
«وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُثِيرُ مَعْنًى آخَرَ لِلْآيَةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ مُوَجَّهًا لِلْمُسْلِمِينَ فَتَكُونُ جُمْلَةُ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى مُعْتَرِضَةً بَيْنَ جُمْلَةِ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَجُمْلَةِ وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ اعْتِرَاضًا اسْتِطْرَادِيًّا، وَلِلْجَمْعِ بَيْنَ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَةِ فِي الْآيَةِ يَكُونُ تَأْوِيلُ قَوْلِ عُمَرَ «فَنَزَلَتْ» أَنَّهُ نَزَلَ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْعُ الصَّلَاةِ عِنْدَ حَجَرِ الْمَقَامِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لَهُمْ لِيَسْتَقِيمَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاتَّخَذُوا بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَبِصِيغَةِ الْأَمْرِ فَإِنَّ صِيغَةَ الْمَاضِي لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَ حِكَايَةِ مَا كَانَ فِي زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ وَصِيغَةَ الْأَمْرِ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَتَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا مَعْنَى التَّشْرِيعِ لِلْمُسْلِمِينَ، إِعْمَالًا لِلْقُرْآنِ بِكُلِّ مَا تَحْتَمِلُهُ أَلْفَاظُهُ حَسْبَمَا بَيَّنَاهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ التَّاسِعَةِ.
وَقَوْلُهُ: وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ، الْعَهْدُ أَصْلُهُ الْوَعْدُ الْمُؤَكَّدُ وُقُوعَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ لَا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [الْبَقَرَة: 124] ، فَإِذَا عُدِّيَ بِإِلَى كَانَ بِمَعْنَى الْوَصِيَّةِ الْمُؤَكِّدِ عَلَى الْمُوصَى الْعَمَلِ بِهَا فَعَهِدَ هُنَا بِمَعْنَى أَرْسَلَ عَهْدًا إِلَيْهِ أَيْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَأْخُذُ مِنْهُمْ عَهْدًا، فَالْمَعْنَى وَأَوْصَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ.
وَقَوْلُهُ: أَنْ طَهِّرا أَنْ تَفْسِيرِيَّةَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهَا مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ فَالتَّفْسِيرُ لِلْقَوْلِ الضِّمْنِيِّ وَالْمُفَسِّرِ هُوَ مَا بَعْدَ (أَنْ) فَلَا تَقْدِيرَ فِي الْكَلَامِ وَلَوْلَا قَصْدُ حِكَايَةِ الْقَوْلِ لَمَا جَاءَ بَعْدَ (أَنْ) بِلَفْظِ الْأَمْرِ، وَلَقَالَ بِتَطْهِيرِ بَيْتِي إِلَخْ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 711
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست