responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 71
وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ
بِقَوْلِهِ: «مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيءٌ إِلَّا أُوتِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ
عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَانٍ جَلِيلَةٌ لَيْسَ هَذَا مَقَامُ بَيَانِهَا وَقَدْ شَرَحْتُهَا فِي تَعْلِيقِي عَلَى «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» الْمُسَمَّى: «النَّظَرُ الْفَسِيحُ عِنْدَ مَضَايِقِ الْأَنْظَارِ فِي الْجَامِعِ الصَّحِيحِ» .
فَالْقُرْآنُ اسْمٌ لِلْكَلَامِ الْمُوحَى بِهِ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ جُمْلَةُ الْمَكْتُوبِ فِي الْمَصَاحِفِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مِائَةٍ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةً، أُولَاهَا الْفَاتِحَةُ وَأُخْرَاهَا سُورَةُ النَّاسِ. صَارَ هَذَا الِاسْمُ عَلَمًا عَلَى هَذَا الْوَحْيِ. وَهُوَ عَلَى وَزْنِ فُعْلَانِ وَهِيَ زِنَةٌ وَرَدَتْ فِي أَسْمَاءِ الْمَصَادِرِ مِثْلَ غُفْرَانٍ، وَشُكْرَانٍ وَبُهْتَانٍ، وَوَرَدَتْ زِيَادَةُ النُّونِ فِي أَسْمَاءِ أَعْلَامٍ مِثْلَ عُثْمَانَ وَحَسَّانَ وَعَدْنَانَ. وَاسْمُ قُرْآنٍ صَالِحٌ لِلِاعْتِبَارَيْنِ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّ أول مَا بدىء بِهِ الرَّسُولُ مِنَ الْوَحْيِ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: 1] . وَقَالَ تَعَالَى: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [الْإِسْرَاء: 106] فَهَمْزَةُ قُرْآنٍ أَصْلِيَّةٌ وَوَزْنُهُ فُعْلَانٌ وَلِذَلِكَ اتَّفَقَ أَكْثَرُ الْقُرَّاءِ عَلَى قِرَاءَةِ لَفْظِ قُرْآنٍ مَهْمُوزًا حَيْثُمَا وَقَعَ فِي التَّنْزِيلِ وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ إِلَّا ابْنُ كَثِيرٍ قَرَأَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا أَلِفٌ عَلَى لُغَةِ تَخْفِيفِ الْمَهْمُوزِ وَهِيَ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ، وَالْأَصْلُ تَوَافُقُ الْقِرَاءَاتِ فِي مَدْلُولِ اللَّفْظِ الْمُخْتَلَفِ فِي قِرَاءَتِهِ. وَقِيلَ هُوَ قُرْآنٌ بِوَزْنِ فَعَّالٍ، مِنَ الْقَرْنِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ أَيِ الْجَمْعِ بَيْنَهَا لِأَنَّهُ قُرِنَتْ سُوَرُهُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَكَذَلِكَ آيَاتُهُ وَحُرُوفُهُ وَسُمِّيَ كِتَابُ اللَّهِ قُرْآنًا كَمَا سُمِّيَ الْإِنْجِيلُ الْإِنْجِيلَ، وَلَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْ قَرَأْتُ، وَلِهَذَا يُهْمَزُ قَرَأْتُ وَلَا يُهْمَزُ الْقُرْآنُ فَتَكُونُ قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ آخَرُ لِكِتَابِ اللَّهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قُرْآنَ جَمْعُ قَرِينَةٍ أَيِ اسْمُ جَمْعٍ، إِذْ لَا يُجْمَعُ مِثْلُ قَرِينَةٍ عَلَى وَزْنِ فُعَالٍ فِي التَّكْثِيرِ فَإِنَّ الْجُمُوعَ الْوَارِدَةَ عَلَى وَزْنِ فُعَالٍ مَحْصُورَةٌ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، وَالْقَرِينَةُ الْعَلَامَةُ، قَالُوا لِأَنَّ آيَاتِهِ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَهِيَ قَرَائِنُ عَلَى الصِّدْقِ.
فَاسْمُ الْقُرْآنِ هُوَ الِاسْمُ الَّذِي جُعِلَ عَلَمًا عَلَى الْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَسْبِقْ أَنْ أُطْلِقَ عَلَى غَيْرِهِ قَبْلَهُ، وَهُوَ أَشْهَرُ أَسْمَائِهِ وَأَكْثَرُهَا وُرُودًا فِي آيَاتِهِ وَأَشْهَرُهَا دَوَرَانًا عَلَى أَلْسِنَةِ السَّلَفِ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 71
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست