responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 708
اسْتِقْلَالِ الْقِصَّةِ وَأَنَّهَا جَدِيرَةٌ بِأَنْ تُعَدَّ بِنِيَّةٍ أُخْرَى، وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى حُصُولِ مَضْمُونِ هَذِهِ بَعْدَ حُصُولِ الْأُخْرَى أَوْ قَبْلَهُ إِذْ لَا غَرَضَ فِي ذَلِكَ فِي مَقَامِ ذِكْرِ الْفَضَائِلِ، وَلِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُفِيدُ تَرْتِيبًا.
وَالْبَيْتُ اسْمُ جِنْسٍ لِلْمَكَانِ الْمُتَّخَذِ مَسْكَنًا لِوَاحِدٍ أَوْ عَدَدٍ مِنَ النَّاسِ فِي غَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ، وَهُوَ مَكَانٌ مِنَ الْأَرْضِ يُحِيطُ بِهِ مَا يُمَيِّزُهُ عَنْ بَقِيَّةِ بُقْعَتِهِ مِنَ الْأَرْضِ لِيَكُونَ السَّاكِنُ مُسْتَقِلًّا بِهِ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ يَتْبَعُهُ فَيَكُونُ مُسْتَقِرًّا لَهُ وَكُنَّا يَكُنَّهُ مِنَ الْبَرْدِ وَالْحَرِّ وَسَاتِرًا يَسْتَتِرُ فِيهِ عَنِ النَّاسِ ومحطا لأثاثه وشؤونه، وَقَدْ يَكُونُ خَاصًّا وَهُوَ الْغَالِبُ وَقَدْ يَكُونُ لِجَمَاعَةٍ مِثْلَ دَارِ النَّدْوَةِ فِي الْعَرَبِ وَخَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ يَكُونُ مُحِيطَ الْبَيْتِ مِنْ حَجَرٍ وَطِينٍ كَالْكَعْبَةِ وَدَارِ النَّدْوَةِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَدِيمٍ مِثْلَ الْقِبَابِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ نَسِيجِ صُوفٍ أَوْ شَعْرٍ قَالَ تَعَالَى: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها [النَّحْل:
80] ، وَلَا يَكُونُ بَيْتًا إِلَّا إِذَا كَانَ مَسْتُورًا أَعْلَاهُ عَنِ الْحَرِّ وَالْقَرِّ وَذَلِكَ بِالسَّقْفِ لِبُيُوتِ الْحَجَرِ وَبُيُوتِ الْأَدِيمِ وَالْخِيَامِ.
وَالْبَيْتُ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ عَلَى الْكَعْبَةِ كَمَا غُلِبَ النَّجْمُ عَلَى الثُّرَيَّا. وَأَصْلُ أَلِ الَّتِي فِي الْأَعْلَامِ بِالْغَلَبَةِ هِيَ أَلِ الْعَهْدِيَّةِ وَذَلِكَ إِذَا كَثُرَ عَهْدُ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ جِنْسٍ بَيْنَ طَائِفَةٍ أَوْ قَوْمٍ صَارَ اسْمُ جِنْسِهِ مَعَ أَلِ الْعَهْدِيَّةِ كَالْعَلَمِ لَهُ ثُمَّ قَدْ يَتَعَهَّدُونَ مَعَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ كَمَا فِي النَّجْمِ لِلثُّرَيَّا وَالْكِتَابِ لِلْقُرْآنِ وَالْبَيْتِ لِلْكَعْبَةِ، وَقَدْ يُنْسَى الْمَعْنَى الْأَصْلِيَّ إِمَّا بِقِلَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ كَالصَّعِقِ عَلَمٌ عَلَى خُوَيْلِدِ بْنِ نُفَيْلٍ وَإِمَّا بِانْحِصَارِ الْجِنْسِ فِيهِ كَالشَّمْسِ.
وَالْكَعْبَةُ بَيْتٌ بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ دُونَ شَرِيكٍ فَيَأْوِي إِلَيْهِ مَنْ يَدِينُ بِالتَّوْحِيدِ وَيَطُوفُ بِهِ مَنْ يَقْصِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ أَضَافَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى كَمَا قَالَ: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَفِي قَوْلِهِ: عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ [إِبْرَاهِيم: 37] وَقَدْ عُرِفَتِ الْكَعْبَةُ بَاسِمِ الْبَيْتِ مِنْ عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ زُهَيْرٌ:
فَأَقْسَمْتُ بِالْبَيْتِ الَّذِي طَافَ حَوْلَهُ ... رِجَالٌ بَنَوْهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَجُرْهُمِ
وَالْمَثَابَةُ مَفْعَلَةٌ مِنْ ثَابَ يَثُوبُ إِذَا رَجَعَ وَيُقَالُ مَثَابَةٌ وَمُثَابٌ مِثْلَ مَقَامَةٍ وَمَقَامٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمَثَابَةِ أَنَّهُ يَقْصِدُهُ النَّاسُ بِالتَّعْظِيمِ وَيَلُوذُونَ بِهِ.
وَالْمُرَادُ مِنَ النَّاسِ سُكَّانُ مَكَّةَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ وَكُلُّ مَنْ يُجَاوِرُهُمْ وَيَدْخُلُ فِي حَلِفِهِمْ، فَتَعْرِيفُ النَّاسِ لِلْجِنْسِ الْمَعْهُودِ، وَتَعْلِيقٌ لِلنَّاسِ بِمَثَابَةٍ عَلَى التَّوْزِيعِ أَيْ يَزُورُهُ نَاسٌ وَيَذْهَبُونَ فَيَخْلُفُهُمْ نَاسٌ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 708
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست