responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 704
الْأُمَّةَ الْمُرْسَلَ إِلَيْهَا بِطَرِيقِ التَّبْلِيغِ، وَتَنْفَعُ غَيْرَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ بِطَرِيقِ الِاقْتِدَاءِ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَحَلَ إِلَى آفَاقٍ كَثِيرَةٍ فَتَنَقَّلَ مِنْ بِلَادِ الْكَلْدَانِ إِلَى الْعِرَاقِ وَإِلَى الشَّامِ وَالْحِجَازِ وَمِصْرَ، وَكَانَ فِي جَمِيعِ مَنَازِلِهِ مَحَلَّ التَّبْجِيلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّبْجِيلَ يَبْعَثُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ دِينَ بَرْهَمَا الْمُتَّبَعَ فِي الْهِنْدِ أَصْلُهُ مَنْسُوبٌ إِلَى اسْمِ إِبْرَاهَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ تَحْرِيفٍ أُدْخِلَ عَلَى ذَلِكَ الدِّينِ كَمَا أُدْخِلَ التَّحْرِيفُ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ، وَلِيَتَأَتَّى الْإِيجَازُ فِي حِكَايَةِ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ الْآتِي وَمِنْ ذُرِّيَّتِي، فَيَكُونُ قَدْ سَأَلَ أَنْ يَكُونَ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْإِمَامَةُ بِأَنْوَاعِهَا مِنْ رِسَالَةٍ وَمُلْكٍ وَقُدْوَةٍ عَلَى حَسَبِ التَّهَيُّؤِ فِيهِمْ، وَأَقَلُّ أَنْوَاعِ الْإِمَامَةِ كَوْنُ الرَّجُلِ الْكَامِلِ قُدْوَةً لِبَنِيهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَتَلَامِيذِهِ.
وَقَوْلُهُ: قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي جَوَابٌ صَدَرَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ فَلِذَا حُكِيَ بِقَالَ دُونَ عَاطِفٍ عَلَى طَرِيقِ حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها [الْبَقَرَة: 30] وَالْمَقُولُ مَعْطُوفٌ عَلَى خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ يُسَمُّونَهُ عَطْفَ التَّلْقِينِ وَهُوَ عَطْفُ الْمُخَاطَبِ كَلَامًا عَلَى مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ تَنْزِيلًا لِنَفْسِهِ فِي مَنْزِلَةِ الْمُتَكَلِّمِ يُكْمِلُ لَهُ شَيْئًا تَرَكَهُ الْمُتَكَلِّمُ إِمَّا عَنْ غَفْلَةٍ وَإِمَّا عَنِ اقْتِصَارٍ فَيُلَقِّنُهُ السَّامِعُ تَدَارُكَهُ بِحَيْثُ يَلْتَئِمُ مِنَ الْكَلَامَيْنِ كَلَامٌ تَامٌّ فِي اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِ.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «بَايَعْتُ النَّبِيءَ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ- إِلَخْ- فَشَرَطَ عَلَيَّ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِلَّذِي سَأَلَهُ فَلَمْ يُعْطِهِ
فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ «إِنَّ وَرَاكِبَهَا» ، وَقَدْ لَقَّبُوهُ عَطْفَ التَّلْقِينِ كَمَا فِي «شرح التفتازانيّ عَلَى الْكَشَّافِ» وَذَلِكَ لِأَنَّ أَكْثَرَ وُقُوعِ مِثْلِهِ فِي مَوْقِعِ الْعَطْفِ، وَالْأَوْلَى أَنْ تُحْذَفَ كَلِمَةُ عَطْفَ وَنُسَمِّي هَذَا الصِّنْفَ مِنَ الْكَلَامِ بِاسْمِ التَّلْقِينِ وَهُوَ تَلْقِينُ السَّامِعِ الْمُتَكَلِّمِ مَا يَرَاهُ حَقِيقًا بِأَنْ يُلْحِقَهُ بِكَلَامِهِ، فَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقَةِ الْعَطْفِ وَهُوَ الْغَالِبُ كَمَا هُنَا، وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقَةِ الِاسْتِفْهَامِ الإنكاري وَالْحَال كَقَوْل تَعَالَى: قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً [الْبَقَرَة: 170] فَإِنَّ الْوَاوَ مَعَ (لَوِ) الْوَصْلِيَّةِ وَاوُ الْحَالِ وَلَيْسَ وَاوَ الْعَطْفِ فَهُوَ إِنْكَارٌ عَلَى إِلْحَاقِهِمُ الْمُسْتَفْهَمَ عَنْهُ بِقَوْلِهِمْ وَدَعْوَاهُمْ، وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ
كَقَوْلِ الْعَبَّاسِ لَمَّا قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَمِ مَكَّةَ «لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ» فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلَّا الْإِذْخِرَ لِبُيُوتِنَا وَقَيْنِنَا،
وَلِلْكَلَامِ الْمَعْطُوفِ عَطْفَ التَّلْقِينِ مِنَ الْحُكْمِ حُكْمُ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 704
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست