responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 692
وَقَوْلُهُ: وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ وَهُوَ إِمَّا عَلَى جُمْلَةِ إِنَّا أَرْسَلْناكَ أَوْ عَلَى الْحَالِ فِي قَوْلِهِ: بَشِيراً وَنَذِيراً وَيَجُوزُ كَوْنُ الْوَاوِ لِلْحَالِ.
قَرَأَ نَافِعٌ وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ اللَّامِ عَلَى أَنَّ (لَا) حَرْفُ نَهْيٍ جَازِمٌ لِلْمُضَارِعِ وَهُوَ عَطْفُ إِنْشَاءٍ عَلَى خَبَرٍ وَالسُّؤَالُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي الِاهْتِمَامِ وَالتَّطَلُّعِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَالِ مَجَازًا مُرْسَلًا بِعَلَاقَةِ اللُّزُومِ لِأَنَّ الْمَعْنَى بِالشَّيْءِ الْمُتَطَلِّعِ لِمَعْرِفَةِ أَحْوَالِهِ يَكْثُرُ مِنَ السُّؤَالِ عَنْهُ، أَوْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ فَظَاعَةِ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالْكَافِرِينَ حَتَّى إِنَّ الْمُتَفَكِّرَ فِي مَصِيرِ حَالِهِمْ يَنْهَى عَنِ الِاشْتِغَالِ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَحْوَالٌ لَا يُحِيطُ بِهَا الْوَصْفُ وَلَا يَبْلُغُ إِلَى كُنْهِهَا الْعَقْلُ فِي
فَظَاعَتِهَا وَشَنَاعَتِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ السُّؤَالِ يَرِدُ لِمَعْنَى تَعْظِيمِ أَمْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ نَحْوَ قَوْلِ عَائِشَةَ: «يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ» وَلِهَذَا شَاعَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلْقَاءُ الْمَسَائِلِ الصَّعْبَةِ بِطَرِيقَةِ السُّؤَالِ نَحْوَ (فَإِنْ قُلْتَ) لِلِاهْتِمَامِ.
وَقَرَأَهُ جُمْهُورُ الْعَشَرَةِ بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَرَفْعِ اللَّامِ عَلَى أَنَّ (لَا) نَافِيَةٌ أَيْ لَا يَسْأَلُكَ اللَّهُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ وَهُوَ تَقْرِيرٌ لِمَضْمُونِ إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ وَالسُّؤَالُ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُؤَاخَذَةِ وَاللَّوْمِ مِثْلُ
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وكلكم مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ»
أَيْ لَسْتَ مُؤَاخَذًا بِبَقَاءِ الْكَافِرِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ بَعْدَ أَنْ بَلَّغْتَ لَهُمُ الدَّعْوَةَ.
وَمَا قِيلَ إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي نَهْيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السُّؤَالِ عَنْ حَالِ أَبَوَيْهِ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ اسْتِنَادٌ لِرِوَايَةٍ وَاهِيَةٍ وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ مُجَافِيًا لِلْبَلَاغَةِ إِذْ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَهُ:
إِنَّا أَرْسَلْناكَ تَأْنِيسٌ وَتَسْكِينٌ فَالْإِتْيَانُ مَعَهُ بِمَا يُذَكِّرُ الْمُكَدِّرَاتِ خُرُوجٌ عَنِ الْغَرَضِ وَهُوَ مِمَّا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِفساد الْوَضع.
[120]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 120]
وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120)
عَطْفٌ عَلَى قَوْله: وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ [الْبَقَرَة: 119] أَوْ عَلَى إِنَّا أَرْسَلْناكَ [الْبَقَرَة: 119] وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْكَلَامُ الْمُؤَيِّسُ مِنْ إِيمَانِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ قَبْلَهُ التَّأْنِيسَ وَالتَّسْلِيَةَ عَلَى نَحْوِ مَجِيءِ الْعِتَابِ بَعْدَ تَقْدِيمِ الْعَفْوِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التَّوْبَة: 43] وَهَذَا مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 692
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست