responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 690
يُوقِنُونَ وَقَدْ بَيَّنَتْ لَهُمْ آيَاتُ الْقُرْآنِ بِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الدَّلَائِلِ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَلَيْسُوا أَهْلًا لِلْجَوَابِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِقَوْمٍ يُوقِنُونَ بَلْ دَيْدَنُهُمُ الْمُكَابَرَةُ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ كَذلِكَ (قَالَ) إِلَى آخِرِهَا مُعْتَرِضَةً بَيْنَ جُمْلَةِ وَقالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ وَبَيْنَ جُمْلَةِ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ وَتُجْعَلُ جُمْلَةُ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ هِيَ الْجَوَابَ عَنْ مَقَالَتِهِمْ. وَالْمَعْنَى لَقَدْ أَتَتْكُمُ الْآيَةُ وَهِيَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَلَكِنْ لَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الَّذِينَ يُوقِنُونَ أَيْ دُونَكُمْ فَيَكُونُ عَلَى وِزَانِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ [العنكبوت: 51] . وَوَقَعَ الْإِعْرَاضُ عَنْ جَوَابِ قَوْلِهِمْ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ لِأَنَّهُ بَدِيهِيُّ الْبُطْلَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَقالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى
رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً
[الْفرْقَان: 21] .
وَالْقَوْلُ فِي مَرْجِعِ التَّشْبِيهِ وَالْمُمَاثَلَةِ مِنْ قَوْلِهِ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ عَلَى نَحْوِ الْقَوْلِ فِي الْآيَةِ الْمَاضِيَةِ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ [الْبَقَرَة: 113] .
وَقَوْلِهِ: تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ تَقْرِيرٌ لِمَعْنَى قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ، أَيْ كَانَتْ عُقُولُهُمْ مُتَشَابِهَةً فِي الْأَفْنِ وَسُوءِ النَّظَرِ فَلِذَا اتَّحَدُوا فِي الْمَقَالَةِ. فَالْقُلُوبُ هُنَا بِمَعْنَى الْعُقُولِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَقَوْلُهُ تَشابَهَتْ صِيغَةٌ مِنْ صِيَغِ التَّشْبِيهِ وَهِيَ أَقْوَى فِيهِ مِنْ حُرُوفِهِ وَأَقْرَبُ بِالتَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، وَمِنْ مَحَاسِنِ مَا جَاءَ فِي ذَلِك قَول الصابىء:
تَشَابَهَ دَمْعِي إِذْ جَرَى وَمُدَامَتِي ... فَمِنْ مِثْلِ مَا فِي الْكَأْسِ عَيْنِي تَسْكُبُ
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ جُعِلَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مُمَاثِلَيْنِ لِلْمُشْرِكِينَ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَعْرَقُ فِيهَا إِذْ هُمْ أَشْرَكُوا مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ فَلَيْسَ ادِّعَاؤُهُمْ وَلَدًا لِلَّهِ بِأَكْثَرَ مِنِ ادِّعَائِهِمْ شَرِكَةَ الْأَصْنَامِ مَعَ الله فِي الإلاهية فَكَانَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مُلْحَقَيْنِ بِهِمْ لِأَنَّ دَعْوَى الِابْنِ لِلَّهِ طَرَأَتْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ تَكُنْ مِنْ أَصْلِ مِلَّتِهِمْ وَبِهَذَا الْأُسْلُوبِ تَأَتَّى الرُّجُوعُ إِلَى بَيَانِ أَحْوَالِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ الْخَاصَّةِ بِهِمْ وَذَلِكَ مِنْ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ.
وَجِيءَ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ فِي يُوقِنُونَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالِاسْتِمْرَارِ كِنَايَةً عَنْ كَوْنِ الْإِيمَانِ خُلُقًا لَهُمْ فَأَمَّا الَّذِينَ دَأْبُهُمُ الْإِعْرَاضُ عَنِ النَّظَرِ وَالْمُكَابَرَةِ بَعْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ فَإِنَّ الْإِعْرَاضَ يَحُولُ دُونَ حُصُولِ الْيَقِينِ وَالْمُكَابَرَةُ تَحُولُ عَنِ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فَأَصْحَابُ هَذَيْنِ الْخُلُقَيْنِ لَيْسُوا مِنَ الْمُوقِنِينَ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 690
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست