responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 687
وَذَهَبَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» إِلَى أَنَّ بَدِيعَ هُنَا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مَأْخُوذٌ مِنْ بَدُعَ بِضَمِّ الدَّالِّ أَيْ كَانَتِ الْبَدَاعَةُ صِفَةً ذَاتِيَّةً لَهُ بِتَأْوِيلِ بَدَاعَةِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّتِي هِيَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ فَأُضِيفَتْ إِلَى فَاعِلِهَا الْحَقِيقِيِّ عَلَى جَعْلِهِ مُشَبَّهًا بِالْمَفْعُولِ بِهِ وَأَجْرِيَتِ الصِّفَةُ عَلَى اسْمِ
الْجَلَالَةِ ليَكُون ضَمِيره فاعلالها لَفْظًا عَلَى نَحْوِ زَيْدٌ حَسَنُ الْوَجْهِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ بَدِيعُ الشِّعْرِ، أَيْ بَدِيعَةٌ سَمَاوَاتُهُ.
وَأَمَّا بَيْتُ عَمْرٍو فَإِنَّمَا عَيَّنُوهُ لِلتَّنْظِيرِ وَلَمْ يُجَوِّزُوا فِيهِ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ السَّمِيعُ بِمَعْنَى الْمَسْمُوعِ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ سَمِيعٌ بِمَعْنَى مَسْمُوعٍ مَعَ أَنَّ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ غَيْرُ مُطَّرِدٍ. الثَّانِي أَنَّ سَمِيعٌ وَقَعَ وَصْفًا لِلذَّاتِ وَهُوَ الدَّاعِي وَحُكْمُ سَمِعَ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى مَا لَا يَسْمَعُ أَنْ تَصِيرَ مِنْ أَخَوَات ظَنَّ فَيَلْزَمُ مَجِيءُ مَفْعُولٍ ثَانٍ بَعْدَ النَّائِبِ الْمُسْتَتِرِ وَهُوَ مَفْقُودٌ الثَّالِثُ أَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ عَلَى وَصْفِ الدَّاعِي بِأَنَّهُ مَسْمُوعٌ بَلْ عَلَى وَصْفِهِ بِأَنَّهُ مُسْمِعٌ أَيِ الدَّاعِي الْقَاصِدُ لِلْإِسْمَاعِ الْمُعْلِنُ لِصَوْتِهِ وَذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِأَنَّهُ دَاعٍ فِي أَمْرٍ مُهِمٍّ.
وَوَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى بِبَدِيعِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مُرَادٌ بِهِ أَنه بديع مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ وَفِي هَذَا الْوَصْفِ اسْتِدْلَالٌ عَلَى نَفْيِ بُنُوَّةِ مَنْ جَعَلُوهُ ابْنًا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ خَالِقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا، فَلَا شَيْءَ مِنْ تِلْكَ الْمَوْجُودَاتِ أَهْلٌ لِأَنْ يَكُونَ وَلَدًا لَهُ بَلْ جَمِيعُ مَا بَيْنَهُمَا عَبِيدٌ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الْبَقَرَة: 116] وَلِهَذَا رُتِّبَ نَفْيُ الْوَلَدِ عَلَى كَونه بديع السَّمَوَات وَالْأَرْضِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [10] بِقَوْلِهِ: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ.
وَقَوْلُهُ: وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ إِلَخْ كَشْفٌ لِشُبْهَةِ النَّصَارَى وَاسْتِدْلَالٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَّخِذُ وَلَدًا بَلْ يُكَوِّنُ الْكَائِنَاتِ كُلَّهَا بِتَكْوِينٍ وَاحِدٍ وَكُلُّهَا خَاضِعَةٌ لِتَكْوِينِهِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّصَارَى تَوَهَّمُوا أَنَّ مَجِيءَ الْمَسِيحِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ تَكْوِينَ أَحْوَالِ الْمَوْجُودَاتِ مِنْ لَا شَيْءَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى التَّكْوِينِ وَالتَّقْدِيرِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا وُجِدَ بِوَاسِطَةٍ تَامَّةٍ أَوْ نَاقِصَةٍ أَوْ بِلَا وَاسِطَةٍ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمرَان: 59] فَلَيْسَ تَخَلُّقُ عِيسَى مِنْ أُمٍّ دُونَ أَبٍ بِمُوجِبِ كَوْنِهِ ابْنَ الله تَعَالَى.
و (كَانَ) فِي الْآيَةِ تَامَّةٌ لَا تَطْلُبُ خَبَرًا أَيْ يَقُولُ لَهُ: إِيجَدْ فَيُوجَدُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ وَالْمَقُولَ وَالْمُسَبَّبُ هُنَا تَمْثِيلٌ لِسُرْعَةِ وُجُودِ الْكَائِنَاتِ عِنْدَ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ بِهِمَا بِأَنْ شَبَّهَ فِعْلَ اللَّهِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 687
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست