responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 681
وَقَوْلُهُ: أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ تُغْنِي عَن سُؤال ناشىء عَنْ قَوْلِهِ: مَنْ أَظْلَمُ أَوْ عَنْ قَوْلِهِ: سَعى لِأَنَّ السَّامِعَ إِذَا عَلِمَ أَنَّ فَاعِلَ هَذَا أَظْلَمُ النَّاسِ أَوْ سَمِعَ هَذِهِ الْجُرْأَةَ وَهِيَ السَّعْيُ فِي الْخَرَابِ تَطَلَّبَ بَيَانُ جَزَاءِ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ أَوْ فَعَلَ هَذَا. وَيَجُوزُ كَوْنُهَا اعْتِرَاضًا بَيْنَ مَنْ أَظْلَمُ وَقَوْلِهِ: لَهُمْ فِي الدُّنْيا
خِزْيٌ.
وَالْإِشَارَة بأولئك بَعْدَ إِجْرَاءِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ عَلَيْهِمْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتُحْضِرُوا بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ لِيُخْبَرَ عَنْهُمْ بَعْدَ تِلْكَ الْإِشَارَةِ بِخَبَرِهِمْ جَدِيرُونَ بِمَضْمُونِهِ عَلَى حَدِّ مَا تَقَدَّمَ فِي أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: 5] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْجُمَلِ لَيْسَ هُوَ بَيَانُ جَزَاءِ فِعْلِهِمْ أَوِ التَّحْذِيرِ مِنْهُ بَلِ الْمَقْصُودُ بَيَانُ هَاتِهِ الْحَالَةِ الْعَجِيبَةِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ بَيَانِ عَجَائِبِ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ يُرَتِّبُ الْعِقَابَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَعْلَمَ جَدَارَتَهُمْ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَ لَهُمْ عُقُوبَتَيْنِ دُنْيَوِيَّةً وَهِيَ الْخَوْفُ وَالْخِزْيُ وَأُخْرَوِيَّةً وَهِيَ الْعَذَابُ الْعَظِيمُ.
وَمَعْنَى مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ أَنَّهُمْ لَا يَكُونُ لَهُمْ بَعْدَ هَذِهِ الْفِعْلَةِ أَنْ يَدْخُلُوا تِلْكَ الْمَسَاجِدَ الَّتِي مَنَعُوهَا إِلَّا وَهُمْ خَائِفُونَ فَإِنَّ مَا كَانَ إِذَا وَقَعَ أَنْ وَالْمُضَارِعُ فِي خَبَرِهَا تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنَّ كَانَ لَفْظُ (كَانَ) لَفْظَ الْمَاضِي وَأَنْ هَذِهِ هِيَ الَّتِي تَسْتَتِرُ عِنْدَ مَجِيءِ اللَّامِ نَحْوَ مَا كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ فَلَا إِشْعَارَ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ بِمُضِيٍّ.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لَهُمْ لِلِاسْتِحْقَاقِ أَيْ مَا كَانَ يَحِقُّ لَهُمُ الدُّخُولُ فِي حَالَةٍ إِلَّا فِي حَالَةِ الْخَوْف فهم حقيقيون بِهَا وَأَحْرِيَاءُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا وَعِيدٌ بِأَنَّهُمْ قَدَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ تُرْفَعَ أَيْدِيهِمْ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَشَعَائِرِ اللَّهِ هُنَاكَ وَتَصِيرَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُوا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِلَّا خَائِفِينَ، وَوَعْدٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ فَكَانُوا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ حَتَّى نَادَى مُنَادِي النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ آمِنٌ» فَدَخَلَهُ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ مَذْعُورِينَ أَنْ يُؤْخَذُوا بِالسَّيْفِ قَبْلَ دُخُولِهِمْ.
وَعَلَى تَفْسِيرِ مَساجِدَ اللَّهِ بِالْعُمُومِ يَكُونُ قَوْلُهُ: مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها أَيْ مَنَعُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ فِي حَالِ أَنَّهُمْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُدْخُلُوهَا خَاشِعِينَ مِنَ اللَّهِ فيفسر الْخَوْف بالخشعية مِنَ اللَّهِ فَلِذَلِكَ كَانُوا ظَالِمِينَ بِوَضْعِ الْجَبَرُوتِ فِي مَوْضِعِ الْخُضُوعِ فَاللَّامُ عَلَى هَذَا فِي قَوْلِهِ مَا كانَ لَهُمْ لِلِاخْتِصَاصِ وَهَذَا الْوَجْهُ وَإِنْ فَرَضَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِلَّا أَنَّ مَكَانَ اسْمِ الْإِشَارَةِ الْمُؤْذِنِ بِأَنَّ مَا بَعْدَهُ تَرَتَّبَ عَمَّا قَبْلَهُ يُنَافِيهِ لِأَنَّ هَذَا الِابْتِغَاءَ مُتَقَرِّرٌ وَسَابِقٌ عَلَى الْمَنْعِ وَالسَّعْيِ فِي الْخَرَابِ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 681
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست