responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 670
إِلَى مَوَدَّةِ أَنْ يَرْجِعَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى
الشِّرْكِ وَلَا يَبْقُوا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الْحَسَنَةِ الْمُوَافِقَةِ لِدِينِ مُوسَى فِي مُعْظَمِهِ نِكَايَةً بِالْمُسْلِمِينَ وَبِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [النِّسَاء: 51] وَفِي هَذَا الْمَعْنَى الْمُكْتَنِزِ مَا يَدُلُّكُمْ عَلَى وَجْهِ التَّعْبِيرِ بِ يَرُدُّونَكُمْ دُونَ لَوْ كَفَرْتُمْ لِيُشَارَ إِلَى أَنَّ وُدَادَتِهِمْ أَنْ يَرْجِعَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الشِّرْكِ لِأَنَّ الرَّدَّ إِنَّمَا يَكُونُ إِلَى أَمْرٍ سَابِقٍ وَلَوْ قِيلَ لَوْ كَفَرْتُمْ لَكَانَ فِيهِ بَعْضُ الْعُذْرِ لِأَهْلِ الْكِتَابِ لِاحْتِمَالِهِ أَنَّهُمْ يَوَدُّونَ مَصِيرَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ. وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ مَجِيءِ كُفَّاراً مَعْمُولًا لِمَعْمُولِ وَدَّ كَثِيرٌ لِيُشَارَ إِلَى أَنَّهُمْ وَدُّوا أَنْ يَرْجِعَ الْمُسْلِمُونَ كُفَّارًا بِاللَّهِ أَيْ كُفَّارًا كُفْرًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ حَتَّى عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُوَ الْإِشْرَاكُ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ التَّعْبِيرِ عَن مَا صدق مَا وَدُّوهُ بَلْ هُوَ مِنَ التَّعْبِيرِ عَنْ مَفْهُومِ مَا وَدُّوهُ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَيْضًا وَجْهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَإِنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ حَقٌّ مِنْ جِهَةِ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ بِالرُّسُلِ بِخِلَافِ الشِّرْكِ، أَوْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ صِدْقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُمْ إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْكَثِيرِ مِنْهُمْ خَاصَّةً عُلَمَائَهُمْ وَاللَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِمْ.
ولَوْ هُنَا بِمَعْنَى أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ وَلِذَلِكَ يُؤَوَّلُ مَا بَعْدَهَا بِمَصْدَرٍ.
وحَسَداً حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ وَدَّ أَيْ أَنَّ هَذَا الْوُدَّ لَا سَبَبَ لَهُ إِلَّا الْحَسَدُ لَا الرَّغْبَةُ فِي الْكُفْرِ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ جِيءَ فِيهِ بِمِنِ الِابْتِدَائِيَّةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَأَصُّلِ هَذَا الْحَسَدِ فِيهِمْ وَصُدُورِهِ عَنْ نُفُوسِهِمْ. وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِكَلِمَةِ (عِنْدِ) الدَّالَّةِ عَلَى الِاسْتِقْرَارِ لِيَزْدَادَ بَيَانُ تَمَكُّنِهِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِحَسَدًا لَا بِقَوْلِهِ: وَدَّ.
وَإِنَّمَا أُمِرَ الْمُسْلِمُونَ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنْهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ خَاصَّةً لِأَنَّ مَا حُكِيَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ هُنَا مِمَّا يُثِيرُ غَضَبَ الْمُسْلِمِينَ لِشِدَّةِ كَرَاهِيَتِهِمْ لِلْكُفْرِ قَالَ تَعَالَى: وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ [الحجرات: 7] فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ مَنْ يَوَدُّ لَهُمْ ذَلِكَ يَعُدُّونَهُ أَكْبَرَ أَعْدَائِهِمْ فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْخَبَرُ مُثِيرًا لِلْغَضَبِ خِيفَ أَنْ يَفْتِكُوا بِالْيَهُودِ وَذَلِكَ مَا لَا يُرِيدُهُ اللَّهُ مِنْهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونُوا مُسْتَوْدَعَ عَفْوٍ وَحِلْمٍ حَتَّى يَكُونُوا قُدْوَةً فِي الْفَضَائِلِ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 670
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست