responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 668
الدَّلَالَةِ عَلَى شِدَّةِ تَرَتُّبِ الْجَزَاءِ عَلَى الشَّرْطِ وَتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ مَعَهُ حَتَّى إِنَّه عِنْد مَا يَحْصُلُ مَضْمُونُ الشَّرْطِ يَكُونُ الْجَزَاءُ قَدْ حَصَلَ فَكَأَنَّهُ حَاصِلٌ مِنْ قَبْلِ الشَّرْطِ نَحْوَ: وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى [طه: 81] وَعَلَى مِثْلِ هَذَا يُحْمَلُ كُلُّ جَزَاءٍ جَاءَ مَاضِيًا فَإِنَّ الْقَرِينَةَ عَلَيْهِ أَنَّ مَضْمُونَ الْجَوَابِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ وَهُمْ يَجْعَلُونَ قَدْ عَلَامَةً عَلَى هَذَا الْقَصْدِ وَلِهَذَا قَلَّمَا خَلَا جَوَابٌ مَاضٍ لِشَرْطٍ مُضَارِعٍ إِلَّا وَالْجَوَابُ مُقْتَرِنٌ بِقَدْ حَتَّى قِيلَ: إِنَّ غَيْرَ ذَلِكَ ضَرُورَةٌ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الرَّضِيُّ بِخِلَافِهِ مَعَ قَدْ فَكَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ.
وَقَدْ يَجْعَلُونَ الْجَزَاءَ مَاضِيًا مُرِيدِينَ أَنَّ حُصُولَ مَضْمُونِ الشَّرْطِ كَاشِفٌ عَنْ كَوْنِ مَضْمُونِ الْجَزَاءِ قَدْ حَصَلَ أَوْ قَدْ تَذَكَّرَهُ النَّاسُ نَحْوَ إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يُوسُف: 77] وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ تَحْقِيقُ الْجَزَاءِ فِي مِثْلِهِ هُوَ مَا يَتَضَمَّنُهُ الْجَوَابُ مِنْ مَعْنَى الِانْكِشَافِ أَوِ السَّبْقِ أَوْ غَيْرِهِمَا بِحَسَبِ الْمَقَامَاتِ قَبْلَ أَنْ يُقَدَّرَ فَلَا تَعْجَبْ إِذْ قَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ [1] وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يُقَدَّرَ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ حَتَّى وَقَعَ فِي الِارْتِدَادِ كَمَا تَقُولُ مَنْ وَقَعَ فِي الْمَهْوَاةِ فَقَدْ خَبَطَ خَبْطَ عَشْوَاءٍ إِنْ أُرِيدَ بِالْمَاضِي أَنَّهُ حَصُلَ وَأُرِيدَ بِالضَّلَالِ مَا حَفَّ بِالْمُرْتَدِّ مِنَ الشُّبُهَاتِ وَالْخِذْلَانِ الَّذِي أَوْصَلَهُ إِلَى الِارْتِدَادِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ غَرَضِ الْآيَةِ.
وَالسَّوَاءُ الْوَسَطُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَالَ بَلْعَاءُ بْنُ قَيْسٍ:
غَشَّيْتُهُ وَهُوَ فِي جَأْوَاءَ بَاسِلَةٍ ... عَضْبًا أَصَابَ سَوَاءَ الرَّأْسِ فَانْفَلَقَا
وَوَسَطُ الطَّرِيقِ هُوَ الطَّرِيقُ الْجَادَّةُ الْوَاضِحَةُ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَ بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ الَّتِي لَا تَنْتَهِي إِلَى الْغَايَة.
[109، 110]

[1] وَمثل هَذَا أَن يكون الشَّرْط وَالْجَزَاء ماضيين فَإِن ذَلِك يدل على أَن الْمَعْنى إِن تحقق هَذَا تحقق هَذَا نَحْو إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ [الْمَائِدَة: 116] . وَيقرب مِنْهُ مَجِيء الْجَزَاء جملَة اسمية لدلالتها على ثُبُوت مضمونها دون زمَان أصلا نَحْو قَوْله مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ [الْبَقَرَة: 97] أَي من يتَحَقَّق عداوته لجبريل فلتدم عداوته لِأَنَّهُ نزله وَنَحْو قَول الشَّاعِر:
من صدّ عَن نيرانها ... فَأَنا ابْن قيس لَا براح
أَي فليصد فَأَنا الْمَعْرُوف بالشجاعة.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 668
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست