responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 647
حَظٍّ مِنَ الْخَيْرِ ثَبَتَ الشَّرُّ كُلُّهُ لِأَنَّ الرَّاحَةَ مِنَ الشَّرِّ خَيْرٌ وَهِيَ حَالَةُ الْكَفَافِ وَقَدْ تَمَنَّاهَا الْفُضَلَاءُ أَوْ دُونَهُ خَشْيَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ عَطْفٌ عَلَى وَلَقَدْ عَلِمُوا عَطْفُ الْإِنْشَاءِ عَلَى
الْخَبَرِ وشَرَوْا بِمَعْنَى بَاعُوا بِمَعْنَى بَذَلُوا وَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ: لَمَنِ اشْتَراهُ وَمَعْنَى بَذْلِ النَّفْسِ هُوَ التَّسَبُّبُ لَهَا فِي الْخَسَارِ وَالْبَوَارِ.
وَقَوْلُهُ: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ مُقْتَضٍ لِنَفْيِ الْعِلْمِ بِطَرِيقِ لَوِ الِامْتِنَاعِيَّةِ وَالْعِلْمُ الْمَنْفِيُّ عَنْهُمْ هُنَا هُوَ غَيْرُ الْعِلْمِ الْمُثْبَتِ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ عَلِمُوا إِلَّا أَنَّ الَّذِي عَلِمُوهُ هُوَ أَنَّ مكتسب السحر مَاله خَلَاقٌ فِي الْآخِرَةِ وَالَّذِي جَهِلُوهُ هُنَا هُوَ أَنَّ السِّحْرَ شَيْءٌ مَذْمُومٌ وَفِيهِ تَجْهِيلٌ لَهُمْ حَيْثُ عَلِمُوا أَنَّ صَاحِبَهُ لَا خَلَاقَ لَهُ وَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى أَنَّ نَفْيَ الْخَلَاقِ يَسْتَلْزِمُ الْخُسْرَانَ إِذْ مَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ذُيِّلَ بِهِ قَوْلُهُ: وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ دَلِيلُ مَفْعُولِهِ وَبِذَلِكَ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ عَنْ إِثْبَاتِ الْعِلْمِ وَنَفْيِهِ فِي مَعْلُومٍ وَاحِدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ لَا خَلَاقَ لِصَاحِبِ السِّحْرِ عَيْنُ مَعْنَى كَون السحر مذوما فَكَيْفَ يُعَدُّونَ غَيْرَ عَالِمَيْنِ بِذَمِّهِ وَقَدْ عَلِمْتَ وَجْهَهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي تُحْمَلُ عَلَيْهِ الْآيَةُ.
وَلَهُمْ فِي الْجَوَابِ عَنْ دَفْعِ الْإِشْكَالِ وُجُوهٌ أُخْرَى أَحَدُهَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَتَبِعَهُ صَاحِبُ «الْمِفْتَاحِ» مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ نَفْيِ الْعِلْمِ هُوَ أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا فِي عِلْمِهِمْ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ بِعَدَمِ عَمَلِهِمْ بِهِ نَفْيُ الْعِلْمِ عَنْهُمْ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ أَيْ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ بِهِمْ. الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الْمَنْفِيِّ هُوَ عِلْمُ كَوْنِ مَا يَتَعَاطَوْنَهُ مِنْ جُمْلَةِ السِّحْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَكَأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَذَمَّةَ السِّحْرِ عِلْمًا كُلِّيًّا وَلَمْ يَتَفَطَّنُوا لِكَوْنِ صَنِيعِهِمْ مِنْهُ كَمَا قَالُوا إِنَّ الْفَقِيهَ يَعْلَمُ كُبْرَى الْقِيَاسِ وَالْقَاضِيَ وَالْمُفْتِيَ يَعْلَمَانِ صُغْرَاهُ وَأَنَّ الْفَقِيهَ كَالصَّيْدَلَانِيِّ وَالْقَاضِيَ وَالْمُفْتِيَ كَالطَّبِيبِ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ. الثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ مَا يَتْبَعُهُ مِنَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ أَيْ فَهُمْ ظَنُّوا أَنَّ عَدَمَ الْخِلَافِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعَذَابَ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. الرَّابِعُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْعِلْمِ الْمَنْفِيِّ التَّفَكُّرُ وَمِنَ الْمُثْبَتِ الْعِلْمُ الْغَرِيزِيُّ وَهَذَا وَجْهٌ بَعِيدٌ جِدًّا إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُمْ بِأَنَّ مَنِ اكْتَسَبَ السِّحْرَ لَا خَلَاقَ لَهُ عِلْمًا غَرِيزِيًّا فَلَوْ قِيلَ الْعِلْمُ التَّصَوُّرِيُّ وَالْعِلْمُ التَّصْدِيقِيُّ. وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ لَقَدْ عَلِمُوا ولَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ طِبَاقٌ عَجِيبٌ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 647
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست