responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 642
سَقَى اللَّهُ أَيَّامَ الصِّبَا مَا يَسُرُّهَا ... وَيَفْعَلُ فِعْلَ الْبَابِلِيِّ الْمُعَتَّقِ (1)
وَلِاشْتِهَارِ بَابِلَ عِنْدَ الْأُمَمِ الْقَدِيمَةِ بِمَعَارِفِ السِّحْرِ كَمَا قَدَّمْنَا فِي تَعْرِيفِ السِّحْرِ صَحَّ جَعْلُ صِلَةِ الْمَوْصُولِ قَوْلُهُ: أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ إِشَارَةً إِلَى قِصَّةٍ يَعْلَمُونَهَا.
وَ (هَارُوتَ وَمَارُوتَ) بَدَلٌ مِنَ (الْمَلَكَيْنِ) وَهُمَا اسْمَانِ كَلْدَانِيَّانِ دَخَلَهُمَا تَغْيِيرُ التَّعْرِيفِ لِإِجْرَائِهِمَا عَلَى خِفَّةِ الْأَوْزَانِ الْعَرَبِيَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَارُوتَ مُعَرَّبُ (هَارُوكَا) وَهُوَ اسْمُ الْقَمَرِ عِنْدَ الْكَلْدَانِيِّينَ وَأَنَّ مَارُوتَ مُعَرَّبُ (مَا رُودَاخَ) وَهُوَ اسْمُ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُمْ وَكَانُوا يَعُدُّونَ الْكَوَاكِبَ السَّيَّارَةَ مِنَ الْمَعْبُودَاتِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي هِيَ دُونَ الْآلِهَةِ لَا سِيَّمَا الْقَمَرِ فَإِنَّهُ أَشَدُّ الْكَوَاكِبِ تَأْثِيرًا عِنْدَهُمْ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَهُوَ رَمْزُ الْأُنْثَى، وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي فَهُوَ أَشْرَفُ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ عِنْدَهُمْ وَلَعَلَّهُ كَانَ رَمْزَ الذَّكَرِ عِنْدَهُمْ كَمَا كَانَ بَعْلٌ عِنْدَ الْكَنْعَانِيِّينَ الْفِنِيقِيِّينَ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ إِسْنَادَ هَذَا التَّقْدِيس للكواكب ناشىء عَنِ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا مِنَ الصَّالِحِينَ الْمُقَدَّسِينَ وَأَنَّهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ رُفِعُوا لِلسَّمَاءِ فِي صُورَةِ الْكَوَاكِبِ فَيَكُونُ (هَارُوكَا) وَ (مَارُودَاخُ) قَدْ كَانَا مِنْ قُدَمَاءِ عُلَمَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ وَالْحَاكِمَيْنِ فِي الْبِلَادِ وَهُمَا اللَّذَانِ وَضَعَا السِّحْرَ وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ التَّعْبِيرِ عَنْهُمَا فِي الْقِصَّةِ بِالْمَلَكَيْنِ بِفَتْحِ اللَّامِ.
وَلِأَهْلِ الْقِصَصِ هُنَا قِصَّةٌ خُرَافِيَّةٌ مِنْ مَوْضُوعَاتِ الْيَهُودِ فِي خُرَافَاتِهِمُ الْحَدِيثَةِ اعْتَادَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ ذِكْرَهَا مِنْهُمُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَأَشَارَ الْمُحَقِّقُونَ مِثْلُ الْبَيْضَاوِيِّ وَالْفَخْرِ وَابْنِ كَثِيرٍ وَالْقُرْطُبِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ إِلَى كَذِبِهَا وَأَنَّهَا مِنْ مَرْوِيَّاتِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَقَدْ وَهِمَ فِيهَا بَعْضُ الْمُتَسَاهِلِينَ فِي الْحَدِيثِ فَنَسَبُوا رِوَايَتَهَا عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ بِأَسَانِيدَ وَاهِيَةٍ وَالْعَجَبُ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَيْفَ أَخْرَجَهَا مُسْنَدَةً لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَعَلَّهَا مَدْسُوسَةٌ عَلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَوْ أَنَّهُ غَرَّهُ فِيهَا ظَاهِرُ حَالِ رُوَاتِهَا مَعَ أَنَّ فِيهِمْ مُوسَى بْنَ جُبَيْرٍ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَاعْتَذَرَ عَبْدُ الْحَكِيمِ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ صَحِيحَةٌ إِلَّا أَنَّ الْمَرْوِيَّ رَاجِعٌ إِلَى أَخْبَارِ الْيَهُودِ فَهُوَ بَاطِلٌُُ

(1) الَّذِي ذكره الواحدي والمعري فِي تَفْسِير الْبَيْت أَنه أَرَادَ بالبابلي الْخمر وَكنت رَأَيْت فِي بعض كتب الْأَدَب أَن بعض من نَاظر المتنبي انتقد هَذَا الإطناب مَعَ أَنه كَانَ يَسْتَطِيع أَن يَقُول سَقَاهَا خمرًا لَا سِيمَا وَقد قَالَ مَا يسرها، قلت: وقرينة كَونه المُرَاد وَصفه بالمعتق وَهُوَ من أَوْصَاف الْخمر، والعذر للمتنبي أَنه أَرَادَ سَقَاهَا الله خمرًا كخمر بابل فَلَا ضير فِي ذَلِك. [.....]
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 642
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست