responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 64
الْمُقَدِّمَةُ السَّابِعَةُ قَصَصُ الْقُرْآنِ
امْتَنَّ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ [يُوسُف: 3] فَعَلِمْنَا مِنْ قَوْلِهِ أَحْسَنَ، أَنَّ الْقِصَصَ الْقُرْآنِيَّةَ لَمْ تُسَقْ مَسَاقَ الْإِحْمَاضِ [1] وَتَجْدِيدِ النَّشَاطِ، وَمَا يَحْصُلُ مِنِ اسْتِغْرَابِ مَبْلَغِ تِلْكَ الْحَوَادِثِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ لِأَنَّ غَرَضَ الْقُرْآنِ أَسْمَى وَأَعْلَى مِنْ هَذَا، وَلَوْ كَانَ مِنْ هَذَا لَسَاوَى كَثِيرًا مِنْ قَصَصِ الْأَخْبَارِ الْحَسَنَةِ الصَّادِقَةِ فَمَا كَانَ جَدِيرًا بِالتَّفْضِيلِ عَلَى كُلِّ جِنْسِ الْقَصَصِ.
وَالْقِصَّةُ: الْخَبَرُ عَنْ حَادِثَةٍ غَائِبَةٍ عَنِ الْمُخْبَرِ بِهَا، فَلَيْسَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْأَحْوَالِ الْحَاضِرَةِ فِي زَمَنِ نُزُولِهِ قَصَصًا مِثْلَ ذِكْرِ وَقَائِعِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ عَدُوِّهِمْ. وَجَمْعُ الْقِصَّةِ قِصَصٌ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَأَمَّا الْقَصَصُ بِفَتْحِ الْقَافِ فَاسْمٌ لِلْخَبَرِ الْمَقْصُوصِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الْمَفْعُولُ، يُقَالُ: قَصَّ عَلَيَّ فُلَانٌ إِذَا أَخْبَرَهُ بِخَبَرٍ.
وَأَبْصَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنْ لَيْسَ الْغَرَضُ مِنْ سَوْقِهَا قَاصِرًا عَلَى حُصُولِ الْعِبْرَةِ وَالْمَوْعِظَةِ مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ الْقِصَّةُ مِنْ عَوَاقِبِ الْخَيْرِ أَوِ الشَّرِّ، وَلَا عَلَى حُصُولِ التَّنْوِيهِ بِأَصْحَابِ تِلْكَ الْقِصَصِ فِي عِنَايَةِ اللَّهِ بِهِمْ أَوِ التَّشْوِيهِ بِأَصْحَابِهَا فِيمَا لَقُوهُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَمَا تَقِفُ عِنْدَهُ أَفْهَامُ الْقَانِعِينَ بِظَوَاهِرِ الْأَشْيَاءِ وَأَوَائِلِهَا، بَلِ الْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ أَسْمَى وَأَجَلُّ. إِنَّ فِي تِلْكَ الْقِصَصِ لَعِبَرًا جَمَّةً وَفَوَائِدَ لِلْأُمَّةِ وَلِذَلِكَ نَرَى الْقُرْآنَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ قِصَّةٍ أَشْرَفَ مَوَاضِيعِهَا وَيُعْرِضُ عَمَّا عَدَاهُ لِيَكُونَ تَعَرُّضُهُ لِلْقِصَصِ مُنَزَّهًا عَنْ قَصْدِ التَّفَكُّهِ بِهَا، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ تَأْتِ الْقِصَصُ فِي الْقُرْآنِ مُتَتَالِيَةً مُتَعَاقِبَةً فِي سُورَةٍ أَوْ سُوَرٍ كَمَا يَكُونُ كِتَابُ تَارِيخٍ، بَلْ كَانَتْ مُفَرَّقَةً مُوَزَّعَةً عَلَى مَقَامَاتٍ تُنَاسِبُهَا، لِأَنَّ مُعْظَمَ الْفَوَائِدِ الْحَاصِلَةِ مِنْهَا لَهَا عَلَاقَةٌ بِذَلِكَ التَّوْزِيعِ، هُوَ ذِكْرٌ وَمَوْعِظَةٌ لِأَهْلِ الدِّينِ فَهُوَ بِالْخَطَابَةِ أَشْبَهُ. وَلِلْقُرْآنِ أُسْلُوبٌ
خَاصٌّ هُوَ الْأُسْلُوبُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالتَّذْكِيرِ وَبِالذِّكْرِ فِي آيَاتٍ يَأْتِي تَفْسِيرُهَا فَكَانَ أُسْلُوبُهُ قَاضِيًا لِلْوَطَرَيْنِ وَكَانَ أَجَلَّ مِنْ أُسْلُوبِ الْقَصَّاصِينَ فِي سَوْقِ الْقِصَصِ لِمُجَرَّدِ مَعْرِفَتِهَا لِأَنَّ سَوْقَهَا فِي مُنَاسَبَاتِهَا يُكْسِبُهَا صِفَتَيْنِ: صِفَةَ الْبُرْهَانِ وَصِفَةَ التِّبْيَانِ وَنَجِدُ مِنْ مُمَيِّزَاتِ قِصَصِ الْقُرْآنِ نَسْجُ نَظْمِهَا عَلَى أُسْلُوبِ الْإِيجَازِ لِيَكُونَ شَبَهُهَا بِالتَّذْكِيرِ

[1] من أحمض الْقَوْم: أفاضوا فِيمَا يؤنسهم.
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 64
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست